<%@ Language=JavaScript %> الدكتور بهيج سكاكيني قراءة في الاعتداءات المستمرة في مخيم اليرموك...وسياسة "النأي بالنفس"

 

 

 

قراءة في الاعتداءات المستمرة في مخيم اليرموك

 

...وسياسة "النأي بالنفس"

 

 

الدكتور بهيج سكاكيني

 

الاعتداءات المستمرة على مخيم اليرموك وهو من أكبر المخيمات الفلسطينية في الوطن السوري، ومنذ بداية الازمة السورية والتي أدت الى تهجير اغلبية سكانه حيث وصل عدد قاطني المخيم الان الى ما يقرب من 18000-20000 بعد ان وصل العدد قبل بدء الازمة الى ما يقرب من 180000، كان من المفترض ان تستدعي وقفة جادة ومسؤولة من قبل كافة الأطراف الفلسطينية وخاصة من منظمة التحرير الفلسطينية التي غابت أو بالأحرى غيبت من قبل أطراف متنفذة فيها وفي داخل السلطة الفلسطينية. ولكن قصر النظر وعدم فهم الابعاد السياسية فيما يدور على الساحة في منطقتنا عند البعض، بالإضافة الى الانقسامات على الساحة الفلسطينية وذهاب البعض الى مواقف استراتيجية خاطئة باصطفافه المدان الى معسكر أعداء محور المقاومة أملا منه بتحقيق مكاسب وهمية ضيقة، هذا الى جانب الادعاء باتباع "سياسة النأي بالنفس" بحسب الظرف والموقع، كلها بالمجمل أدت الى التدهور المستمر بالأوضاع الأمنية داخل المخيم على مدى الثلاثة سنوات الأخيرة على الأقل وأوصلتنا الى ما نحن عليه الان. ولا بد لنا ان نظهر على الأقل بعض النقاط المرتبطة بمخيم اليرموك بما دار ويدور من تدهور الأوضاع الأمنية والإنسانية فيه.

أولا: أن ما دار ويدور من اعتداءات واجتياحات لمخيم اليرموك لا يعقل لأي متتبع ان يفصله عما يدور على الساحات السورية او العراقية او اليمنية او الليبية أو المصرية أو اللبنانية، التي تهدف في مجملها الى إعادة رسم الخرائط والتحالفات السياسية في المنطقة قائمة على تدمير الدول الوطنية وتفتيتها الى جزر أرخبيل متنازعة فيما بينها على أسس مذهبية وطائفية وعرقية، بهدف الهيمنة الكاملة على المنطقة ومقدراتها وتحقيق الامن والتفوق العسكري للكيان الصهيوني الغاصب وتصفية القضية الفلسطينية بتمرير حلول تصفوية بأيدي عربية متحالفة مع الكيان الصهيوني، والقضاء على أو اسقاط حق العودة للشعب الفلسطيني وإصباغ صفة الدولة اليهودية على الكيان الصهيوني والاعتراف بيهوديته من دول المنطقة.

ومن هنا فان الاعتداءات المتكررة على المخيمات الفلسطينية وعمليات التهجير القسرية لسكانها وخلق ظروف ومناخات إنسانية وامنية وأوضاع معيشية صعبة لسكانها وتهديد حياتهم وبقائهم، انما يدخل ضمن المخطط الأكبر للمنطقة بأكملها ويشكل جزءا من المنظومة الهجومية عليها. المخيمات الفلسطينية مستهدفة لأنها تشكل الحواضن والمفتاح والخميرة لحق العودة للشعب الفلسطيني الذي يراد شطبه من المعادلة نهائيا ولا عجب ان العديد من الدول الغربية تقدم "الخدمات الإنسانية" لهجرة الفلسطيني الى أراضيها كجزء من عملية تفريغ المخيمات الفلسطينية.

ثانيا: أن ادانة مجلس الامن الدولي للهجوم البربري على مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين في دمشق ولما ارتكبته المجموعات الإرهابية من "جرائم خطيرة" داخله بحق ما تبقى من سكانه، على الرغم من أهميته كقرار، الا انه يبقى حبرا على ورق، بالإضافة الى أنه لن يعني شيئا على ارض الواقع لأنه لم يقترن بإدانة المشغلين لهذه المجموعات الإرهابية والدول الداعمة لهم من تسليح ورعاية وتقديم الدعم المالي واللوجيستي. وعلى رأس هذه الدول السعودية وقطر وتركيا التي ما فتأت ومنذ اندلاع الازمة السورية بإرسال السلاح والمرتزقة الذين جمعوا من كافة ارجاء المعمورة، بحيث أصبح الداخل السوري بؤرة للإرهاب العالمي. وهذا الدعم لم يتوقف ولو للحظة واحدة على الرغم من قيام ما سمي "بالتحالف الدولي" لمحاربة داعش في العراق وسوريا. الا يتساءل البعض كيف سهلت النصرة الإرهابية تسهيل دخول عناصر من تنظيم داعش الإرهابي الى المخيم في الوقت الذي تتناحر وتتقاتل هذه المجموعات الإرهابية في مناطق أخرى؟ الإجابة ببساطة لان مشغلي هذه الأدوات أعطت الأوامر لكلا التنظيمين الإرهابيين بالعمل سويا في هذه البؤرة من الوطن السوري.

ثالثا: ان هنالك طرفا فلسطينيا احتضن ما يسمى "المعارضة السورية" بمخيم اليرموك التي قاتلت الى جانب جبهة النصرة وهي اكناف بيت المقدس التي قالت ان النصرة قد غدرت بها. وكما سبق وان ذكرنا ان القيادة السياسية لحماس الممثلة بخالد مشعل قد ارتكبت خطأ استراتيجيا بتركها دمشق تحت تبريرات واهية وذهابها الى الدوحة، البلد الذي كان قد انخرط وما زال ضد الوطن السوري وذلك بدعم حثالة الأرض على جميع الأصعدة العسكرية والسياسية والإعلامية والمادية. لا شك ان الحسابات حتى على نطاق المصالح كانت حسابات خاطئة فالصمود السوري شعبا وقيادة وجيشا قد أسقط كل المراهنات. وهذه الحسابات الجانبية قد أثرت على الوضع الامني في المخيم وساعدت في التدهور المستمر بهذا الشأن بالرغم من محاولات عدد من الفصائل الفلسطينية لاحتواء الموضوع بالإمكانيات المحدودة المتوفرة لديها. الجيش السوري لم يتدخل في المخيم خوفا من ان يتهم بأنه يقصف المخيم أو انه يعمل على مضايقة الفلسطينيين وهو ما اتهمه البعض زورا وبهتانا بهذا، على الرغم من انه أوكل الشأن الفلسطيني للفلسطينيين أنفسهم داخل المخيم. ولا بد ام نسجل هنا الى ان الدولة السورية هي الدولة العربية الوحيدة التي تعامل الفلسطيني كما تعامل السوري في الحقوق والواجبات ان لم يكن أفضل  من جميع النواحي التعليمية والصحية والوظائف والتنقل والسفر الى الخارج ....الخ ومن لا يقدر ذلك فليقارن وضع الفلسطيني في لبنان أو مصر ويرى.

وعلى الطرف الاخر تجد من لا يرى أن الفلسطيني بمن فيهم اللاجئين الفلسطينيين القاطنين في مخيمات الشتات والقضية الفلسطينية هم في دائرة الاستهداف وفي عين العاصفة. هذا الطرف لا يستطيع او انه لا يريد ان يرى الرابط العضوي بين كل ما يحدث في المنطقة وتصفية القضية الفلسطينية واسقاط حق العودة عن طريق تهجير سكان المخيمات وتدمير هذه المخيمات التي ما زالت تشكل الذاكرة الفلسطينية للنكبة والتهجير القسري عام 1948. فها هو السيد الرئيس عباس يقول " ان مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين في دمشق يعاني من حروب واعتداءات لا علاقة للاجئين بها..." ويتابع ويقول " اننا لا نتدخل بشؤون أحد ونريد ان لا يتدخل أحد بشؤوننا، فنحن لا علاقة لنا بما يجري في سوريا من قتال داخلي..." وقال : ندعو الذين يريدون اقحامنا بهذه الصراعات الابتعاد عنا، فكفانا تعبا وحربا في كل مكان...".

ان الحروب الدائرة لها علاقة باللاجئين الذين يراد تصفية قضيتهم وحقهم في العودة، كفانا انكارا لهذه الحقيقة ان أردنا ان نحمي سكان المخيم من الإرهابيين ونعيد الحياة والاستقرار لهم وضمان عودة المهجرين منهم.

هل لك يا سيادة الرئيس ان تسمي لنا من الذي يتدخل بنا بدلا من ترك التعبير فضفاض بحيث يفسره كل على هواه، فأنت يا سيادة الرئيس من المفترض ان يكون مطلعا على دقائق وحيثيات الموضوع بحكم المنصب والعلاقات. هؤلاء الارهابيين من النصرة وتنظيم داعش لهم مشغلين وهم لا يتصرفون الا بما يؤمرون به لأنهم ببساطة أدوات ومرتزقة يعملون بحساب، ومن يدفع للعازف هو من يحدد اللحن. ونريد ان نذكر هنا ان ما يدور في سوريا ليس باقتتال داخلي فهذا الوصف يشير وكأن هنالك حرب أهلية في سوريا وليس حربا على الارهاب بكل المقاييس. حتى الدول الغربية أصبحت تعترف بهذا الان وهي التي دعمت الحرب على الوطن السوري وارادت تدميره. وحتى الإدارة الامريكية اتهمت تركيا عن طريق نائب الرئيس أوباما بانها ما زالت ترسل الدواعش وغيرها من المجموعات الإرهابية الى الداخل السوري وقام بحث الحكومة التركية بضبط الحدود ومنع تسلل "المقاتلين" الى الداخل السوري من الحدود التركية.

اللذين اعتدوا على مخيم اليرموك هم أنفسهم اللذين اعتدوا ويعتدون على سوريا والعراق واليمن وليبيا ولبنان ومصر سواء بشكل مباشر أو من خلال ادواتهم ومرتزقتهم من الدواعش والنصرة وما لف لفهما، بالتآمر والتخطيط مع الحلف الصهيو-امريكي في المنطقة. ومن ثم فان محاربة النصرة وداعش وغيرهم من الإرهابيين اللذين يفرخون وينقسمون كالاميبا بين الحين والأخر كانت ويجب ان تصبح للبعض الذي وقف على الاسوار متفرجا أو من ادعى الالتصاق بسياسة "النأي بالنفس" الكاذبة نقول للجميع ان محاربة الدواعش والإرهابيين أصبحت واجبة لان بتصويب البندقية الى هؤلاء هو تصويب البندقية للعدو الصهيوني واعداء الشعب الفلسطيني واعداء طموحاته الوطنية المشروعه وحقه في العودة. من يلتصق بالجامعة العربية ويصوت ويقر فيها وفي مؤتمر "القمة العربية" للتدخل العسكري في اليمن لحلف ناتو عربي خلع وأسقط ثوب "النأي بالنفس" المزيف الذي طالما تغنى به.

ان يقوم رئيس السلطة الفلسطينية بتحريض الدول العربية في القمة العربية الأخيرة على عاصفة حزم ضد قطاع غزة لإنهاء الانقسام وعودة الشرعية كما ذكر مؤخرا في اجتماع اللجنة المركزية لتنظيم فتح هو بكل المقاييس موقفا مدانا ومخزيا. كان الاولى به ان يدعو الدول العربية التي تكالبت طائراتها واساطيلها البحرية التي ظهرت فجأة لتستعرض عضلاتها ضد دولة عربية فقيرة وذو إمكانيات محدودة مثل اليمن، ان توجه هذا الجهد العسكري ضد الكيان الصهيوني المحتل لكافة الاراضي الفلسطينية. ولا بد للإنسان البسيط العادي من أمثالنا ان يتساءل اي شرعية لرئيس يدعو دولا اخرى لقصف شعبه حتى يتسنى له أن يحافظ على كرسيه والمكاسب التي تأتي من وراء هذا المنصب له ولكل حاشيته. وماذا يقول السيد عباس عندما يرى الاشلاء المتطايرة لأجساد الاطفال اليمنيين أو الاطفال والمدنيين من نساء ورجال ممن تفحمت اجسادهم او حرقت جلودهم نتيجة قنابل النابالم والقنابل العنقودية المحرمة دوليا كتلك التي استخدمتها اسرائيل في عدوانها الاخير على غزة. كان على الرئيس عباس أن يكون أكثر حكمة وتعقل وأن يعمل على رأب الصدع العربي بدلا من تأييد العدوان على اليمن من قبل حلف الناتو العربي. كان لزاما عليه الوقوف لمنع أو محاولة منع  تدهور الاوضاع ودرء تدمير اليمن شعبا ومؤسسات وبنى تحتية. اليمن الدولة الوطنية والشعب الاصيل الذي احتضن المقاومة الفلسطينية في أحلك الظروف التي مرت بها وعندما لفظتها معظم الدول العربية ورفضت استقبالها على اراضيها. اليمن الدولة والشعب الذي امد المقاومة الفلسطينية بأكثر من 3000 مقاتل عندما كانت في لبنان. شعبنا لن ينسى ما قدمه الشعب اليمني من تضحيات في سبيل القضية الفلسطينية وان تنكر السيد الرئيس عباس لهذا ووقف مع من يدمرون اليمن ويقتلون شعبه تحت رايات مذهبية مقيتة وحقد دفين وأعمى يهدف الى اعادة اليمن الى الحظيرة السعودية وتأبيد عبوديته لأسرة آل سعود.

هؤلاء الاعراب هم اللذين يتدخلون في القضية الفلسطينية لتمرير حل تصفوي لصالح العدو الصهيوني وخدمة للمخططات الصهيو-أمريكية في المنطقة. وهم من يضغطون على الطرف الفلسطيني بعدم الذهاب الى محكمة الجنايات الدولية لملاحقة مجرمي الحرب الصهاينة، وهم واطراف فلسطينية تقف حائلا دون إعادة الاعمار في غزة بهدف تركيع المقاومة الفلسطينية ومقايضة الشعب في غزة على لقمة عيشه وسقف يعيش تحته ليقيه من برد الشتاء وحرارة الصيف. وهؤلاء الاعراب لا يجدون حرجا من التحالف مع العدو الصهيوني وحرف الصراع في المنطقة وتغيير بوصلته.

النداءات التي يطلقها البعض الى "المسلحين" بالخروج من المخيم الذي اقتحموه ستذهب ادراج الرياح لان هؤلاء القتلة الإرهابيين اللذين تشربوا الفكر الوهابي اقتحموه ضمن أجندة مشغليهم التي تضمن تصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين وعدم السماح لعودة أهالي هذا المخيم اليه، الى جانب الالتفاف على احدى أطراف دمشق العاصمة للوطن السوري المقاوم الذي بنضال قيادته وجيشه وشعبه انما يقاتل من اجل فلسطين وبالنيابة عن الأمة لدحر المخططات الصهيو-أمريكية في المنطقة. لقد آن الأوان لكل فصيل ان يتحمل مسؤوليته في الدفاع عن المخيم وطرد آخر إرهابي منه بالتنسيق مع القيادة والجيش السوري. لم يعد هنالك المساحة الرمادية التي كانت تتيح للبعض ان يسكن بها تحت الحجج الواهية تهربا من المسؤولية أو انتظار ان تتغير الأمور لصالحه وصالح محور الدوحة –انقرة –الرياض المدعوم أمريكيا واسرائيليا. التاريخ لن يرحمكم وشعبنا لن يرحمكم ان لم تقفوا الى جانبه والدفاع عنه. فهل من مجيب؟

 

الدكتور بهيج سكاكيني 

 

 

 

09.04.2015

  عودة الى الصفحة الرئيسية◄◄

 

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

09.04.2015

  الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4]  | أرشيف المقالات  |  دراسات  |  عمال ونقابات |  فنون وآداب |  كاريكاتير  |  المرأة |  الأطفال | إتصل بنا       

      

لا للتقسيم لا للأقاليم

لا

للأحتلال

لا

لأقتصاد السوق

لا

لتقسيم العراق

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة

من الكتاب والصحفيين العراقيين   

 

                                                                  

                                                                          

  

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org