<%@ Language=JavaScript %> الدكتور بهيج سكاكيني ليبقى التأريخ حيا في الذاكرة وشاهدا على وحشية الامبريالية

 

 

ليبقى التأريخ حيا في الذاكرة وشاهدا على وحشية الامبريالية

 

 

 

الدكتور بهيج سكاكيني

 

   احتفل الشعب الفيتنامي قبل عدة أيام بالذكرى الأربعين بانتصاره على آلة البغي والعدوان الامريكية واندحار ما تبقى من جنودها في سايغون عاصمة فيتنام الجنوبية آنذاك بعد ان سقطت بتاريخ 30 ابريل عام 1975 بأيدي قوات الجبهة الوطنية لتحرير جنوب فيتنام "الفيتكونغ" وتم توحيد شطري فيتنام الشمالية والجنوبية.

بدأ التدخل الأمريكي في فيتنام في مطلع الستينات وكان الهدف الرئيسي التدخل هو منع "التمدد الشيوعي" لدول الهند الصينية وبالتحديد فيتنام ولاوس وكمبوديا. كانت أمريكا في ذلك الوقت ربما في أوج قوتها العسكرية وكان الاعتقاد السائد في الدوائر السياسية والعسكرية الامريكية انه لا يوجد اية قوة أو دولة في العالم تستطيع الوقوف أما هذا الجبروت العسكري وآلة الدمار الامريكية أو هكذا كان الاعتقاد السائد في هذه الدوائر الامريكية. وما أسقط من الحسابات الامريكية آنذاك وما زال هو الانسان على الطرف الآخر الذي كان يطوق للانعتاق من الاستعمار والهيمنة الأجنبية واستعداده للتضحية للحصول على الحرية والاستقلال. وهذا بالتأكيد لا يدخل ضمن العلوم العسكرية في الكليات الحربية الامريكية. ولم تتعظ الولايات المتحدة آنذاك من الهزيمة الشنعاء التي لحقت بفرنسا التي حاولت إعادة سيطرتها على دول الهند الصينية بعد هزيمة اليابان في عام 1945. فلقد تحقق هزيمة الجيش الفرنسي في معركة "ديان يبان فو" عام 1954 مما اضطر فرنسا الى الانسحاب والخروج من فيتنام. الولايات المتحدة أرادت ان تحل محل الاستعمار الفرنسي المهزوم في تلك المنطقة. 

وكان من الطبيعي ان تحاول الولايات المتحدة محاولة إيجاد مبرر لتدخلها العسكري المباشر في تلك المنطقة وخاصة بعد توقيع اتفاقيات مع النظام العميل الذي أقيم في فيتنام الجنوبية لمنع توحد شطري فيتنام. وفبركت الولايات المتحدة آنذاك اتهام فيتنام الشمالية بالاعتداء على قطع بحرية أمريكية في خليج تونكين. نقول فبركة لان وزير الدفاع الأمريكي آنذاك روبرت ماكنمارا اعترف لاحقا بان ذلك لم يحدث. (للتذكير فقط على الرغم من الفارق الزمني الكبير، ألم يعترف مؤخرا كولن بأول وغيره بأن امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل كان فبركة أمريكية بامتياز واخذت كذريعة لغزو العراق وتدميره عام 2003).

وتتابعت الاحداث ووصل عدد الجنود الأمريكيين اللذين يقاتلون على الأرض الفيتنامية الى 550000 جندي في عام 1969 هذا بالإضافة الى قوات جنوب فيتنام والقوات الأسترالية والدعم من قوات من جنوب كوريا أيضا، لم تستطع كل هذه القوات بمجملها بالرغم من حجمها وعتادها العسكري ان تهزم الشعب الفيتنامي على الرغم من حجم الخسائر البشرية والمادية التي سببتها هذه الحرب المجنونة والغير مبررة تحت أي من الشرائع الدولية او القانونية أو الأخلاقية.

في هذه الحرب استخدمت الولايات المتحدة أحدث ما توصلت اليه مصانع الحرب الامريكية من طائرات وخاصة B-52 القاذفة الضخمة التي كانت تقوم وعلى مدار الساعة بالقصف السجادي المكثف والقاء قنابل النابالم الحارقة لحرق البشر والحجر والشجر. واستخدم الجيش الأمريكي كل أنواع الأسلحة المحرمة دوليا وخاصة "العامل الأورنجي" "Agent Orange" والقيت السوائل الكيماوية على الأراضي الزراعية التي ما زال الكثير منها للان غير صالح للزراعة. ارتكب الجيش الأمريكي المجازر الواحدة تلو الأخرى وقام بعمليات ابادة لقرى بأكملها. كانت الحرب من الجانب الأمريكي هي حرب إبادة للشعب الفيتنامي الذي فقد ما يقارب من ثلاثة ملايين شهيد أغلبهم من الناس البسطاء والأطفال والنساء وكبار السن. هؤلاء لم تكتب أسماؤهم على جدارية من رخام كتلك الجدارية في أمريكا التي نقش عليها أسماء 58000 حندي امريكي قتلوا في فيتنام "لتلبيتهم نداء الوطن" "والدفاع عن حرياتنا وقيمنا" كما ذكر الرئيس أوباما في كلمته بهذه المناسبة عام 2012. لم تكتب أسماؤهم (الفيتناميين) في السجلات الامريكية لان أمريكا لم تعتبرهم من البشر فهم ليسوا من الشعب "الاستثنائي" أو الدولة "الاستثنائية" بحسب المفهوم الذي يحاول الرئيس أوباما ان يرسخه ويصيغه.

العدوان الأمريكي والحرب الذي دارت في فيتنام شكلت مرحلة ومفصل تاريخي هام وذو دلالة كبيرة. فانتهاء الحرب في فيتنام وانتصار الجبهة الوطنية لتحرير جنوب فيتنام ربما طوى على ما يبدو مرحلة نضالية من مراحل حركات التحرر الوطني على المستوى العالمي والذي بالتأكيد شكل أضخم حركة سياسية في القرن الماضي. أما في التفكير السياسي والايدولوجية الامبريالية فلقد شكل ومهد هذا المفصل التاريخي الهام لعهد جديد تم فيه إعادة صياغة هذه الايدولوجية الغربية لتبرير استمرار عدوانيتها وهمجيتها ومحاولة هيمنتها وسيطرتها على العالم تحت غطاء إيدولوجي خادع وهو "التدخل لحماية حقوق الانسان" أو " التدخل لحماية المدنيين" أو ما يمكن ان نطلق عليه "الامبريالية الإنسانية" إذا جاز لنا التعبير. ومن هنا حاولت الدول الغربية شرعنة التدخل "لأسباب إنسانية" سواء تحت غطاء الشرعية الدولية كما حدث في العراق عام 2003 و ليبيا عام 2011 على سبيل المثال لا الحصر أو من خارج الشرعية الدولية كما يحدث الان في سوريا واليمن.

ما زالت الولايات المتحدة تعمل على تشكيل العالم بحسب المقاييس الأميركية تحت غطاء نشر "الديمقراطية"  والقيم "الغربية"، وكأن أمريكا ديمقراطية بمجرد وجود نظام انتخابي بها أو كأن القيم الغربية هي أفضل القيم التي يجب على الدول المتواجدة على سطح هذا الكوكب تبنيها والا فإنها ستواجه بالغضب الأمريكي وسطوة جيشها. وللتذكير فقط الديمقراطية التي أتت بها الإدارة الامريكية في أوكرانيا هي إيصال الأحزاب الفاشية والنازية التي تجاهر بنازيتها الى المراكز الوزارية والبرلمان الاوكراني بعد اسقاط حكومة شرعية أتت بانتخابات عامة لم تكن بحسب المقاسات الامريكية.

ما حدث في فيتنام قبل أربعون عاما حدث وما زال يحدث للان في العراق وسوريا وليبيا واليمن في منطقتنا، وان كان ربما بأدوات وطرق مختلفة الا ان هنالك ارتباطا عضويا بكل هذه الاحداث. سابقا كان الهدف المعلن هو "منع التمدد الشيوعي" و"النفوذ السوفياتي". أما اليوم فهو يدخل ضمن "القضاء على أسلحة الدمار الشامل" أو "محاربة الارهاب" الذي لا يحارب من قبلهم بالطبع انما يؤخذ كوسيلة للاعتداء على المنطقة واحتلال أراضيها. أو محاربة "التمدد والنفوذ الايراني" أو محاربة "التغلغل الشيعي" وهكذا دواليك. واليوم تدخل الأدوات والحلفاء في هذه الحرب، لان الولايات المتحدة وبعد خسارتها الحروب في عدة مناطق والنزيف الذي أحدثته في الخزينة الامريكية، لم يعد يسمح لها بالتدخل المباشر ولذلك فهي تتبع سياسة القيادة من الخلف. وهي التي تزود الحلفاء والأدوات بالدعم اللوجيستي، والغطاء السياسي، وبالأسلحة المتطورة والاسلحة المحرمة دوليا مثل القنابل الفسفورية والعنقودية التي استخدمت على سبيل المثال في العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة والعدوان الذي تقوده السعودي على اليمن، فقد مضى زمن استخدام العامل الأورنجي الذي نقل مخزونه من فيتنام الى احدى الجزر في اليابان وغيرها من المناطق والذي تسبب وما زال بالأوبئة والامراض لسكان الجزر التي نقل اليها، ولم تكفي أربعون عاما بعد لتدمير هذا المخزون الهائل.

 نعم أربعون عام مضت وما زالت آثار العدوان البربري على فيتنام قائمة للان داخل فيتنام وخارجها. انها ذكرى مفرحة ومؤلمة في آن واحد. الفرح بالانتصار والألم لحجم الدمار على المستوى البشري والمادي. ومن الضروري ان نبقي الذاكرة حية لنعرف الحقائق التي تدلل بشكل لا لبس فيه عن وحشية الامبريالية وان حاولت التخفي تحت شعارات قد تبدو للوهلة الاولى للبعض انها إنسانية، فلا وجود لمسمى "الامبريالية الإنسانية".

 

الدكتور بهيج سكاكيني

 

 

 

 

 

05.05.2015

 

 

 

  عودة الى الصفحة الرئيسية◄◄

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

05.05.2015

  الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4]  | أرشيف المقالات  |  دراسات  |  عمال ونقابات |  فنون وآداب |  كاريكاتير  |  المرأة |  الأطفال | إتصل بنا       

      

لا للتقسيم لا للأقاليم

لا

للأحتلال

لا

لأقتصاد السوق

لا

لتقسيم العراق

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة

من الكتاب والصحفيين العراقيين   

 

                                                                  

                                                                          

  

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org