<%@ Language=JavaScript %> كمال مجيد هل أفل نجم أمريكا ؟

 

 

 

هل أفل نجم أمريكا ؟

 

 

البروفسور المهندس كمال مجيد

 

يدعي البعض بالاعتماد على "نظرية سقوط الامبراطوريات" ان الولايات المتحدة، شأنها شأن الامبراطورية الرومانية اوالعثمانية ، اخذت تتفسخ وسوف تنهار تدريجيا ثم تزول من الوجود. الا ان النظرية هذه غير مثبوتة جزما ً. لقد سقط الجناح الرومي للامبراطورية الرومانية نتيجة ثورة داخل روما بعد ثورات لعبيدها في اماكن اخرى لتحل محلها ملكيات اقطاعية عديدة في ايطاليا ومحمياتها في الشمال الغربي منها. فاضطرت بقاياها ان تنقل عاصمتها الى اسطنبول وتعيش لقرون كامبراطورية بيزنطينية الى ان تم اسقاطها من قبل الدولة العثمانية النامية. وكذا الحال مع الامبراطورية العثمانية الاقطاعية التي توسعت ثم بدأت تخسر الحروب الى ان تم اسقاطها من قبل الدولتين الاستعماريتين (( الرأسماليتين )) في بريطانيا وفرنسا اللتين قسمتا الممتلكات العثمانية التي تحولت الى مستعمرات تابعة لهما. فتدهور ثم زوال الامراطوريتين حدثا كنتيجة لثورات محكوميهما اولا ً تلتها حروب من دول اكثر تطورا ً. فالثورات نقلت المناطق الرومانية المتحررة من مرحلة العبودية الى المرحلة الاقطاعية . اما المناطق المحررة من العثمانيين فانتقلت من الاقطاعية الى الرأسمالية . لقد حدث السقوط النهائي للرومان بالحرب التي شنتها الاقطاعية العثمانية التي كانت اكثر تطورا ً من العبودية. اما الاقطاعية العثمانية فانها سقطت نتيجة الحرب العالمية الاولى التي شنتها دول راسمالية اكثر تطورا ً من الاقطاعية، في حين تحولت مستعمراتها الى مستعمرات للرأسمالية التي منعتها من تحقيق رأسماليتها الوطنية المستقلة. اي ان الامبراطوريتين لم تزولا نتيجة الذبول الذاتي التدريجي.

على عكس تأريخ الرومان والعثمانيين لقد نمت الولايات المتحدة من البداية كمستعمرة للراسمالية البريطانية. لقد كان هدف الاغلبية الساحقة من الذين انتقلوا الى امريكا هو الحصول على الثروة ، فتكونت الولايات المتحدة كبلد للرأسماليين الذين لهم طموح الثراء. بكل الوسائل الممكنة. ولهذا ولدت وترعرعت الفلسفة البراغماتية في الحياة، فلسفة (( الغاية تبرر الواسطة. )) وبسرعة متميزة تكونت طبقة راسمالية محلية قررت التخلص من النفوذ البريطاني عن طريق الثورة المسلحة واسست الدولة الرأسمالية الخاصة بها. ثم باشرت هذه الدولة الجديدة بمنافسة كافة الرأسماليات الاوروبية للسيطرة على مستعمراتها. هكذا تكون ما يسمى بـ ((الحلم الامريكي )) الذي ينوي السيطرة على كل العالم تحت شعار (( العولمة )) . كل الحكام الامريكيون اثرياء ويؤمنون بهذا الحلم ويذكره كل من يفوز في الانتخابات الرئاسية دون استثناء.

لتحقيق هذا الحلم قررت الطبقة الحاكمة ان تركز على تطوير صناعة السلاح لاستخدامه لمحاربة كل من يعرقل او يؤخر مسيرتها. ففي الوقت الحاضر تشتري الحكومة الامريكية ما قيمته 750 مليار دولار في السنة، كل سنة، من السلاح من الشركات الامريكية المنتجة له. نعم عليها كل سنة ان تستخدم هذا السلاح لكي تعيد العملية في السنة التالية والا ستخلق ازمة اقتصادية عويصة في صناعة السلاح والتي ستؤدي الى ازمة في الصناعات الاخرى بل في العالم.  ففي الوقت الحاضر هناك 60 مليون امريكي يعيشون مباشرة ً على انتاج السلاح او استعماله من قبل العسكريين وعوائلهم. ولامريكا الآن من القوة العسكرية اكثر مما لكافة دول العالم مجتمعة ً. فالكلام عن افول النجم الامريكي مناقض، بشدة، للحلم الامريكي الذي يرفضه الرأسمالي الامريكي جملة وتفصيلا ً.

ان هذا الشرح البسيط لتصرفات امريكا واحلامها التوسعية لا يعني انها حققت الانتصار والتوسع باطراد. فتصرفاتها الطائشة غالبا ً ما اوقعتها في الانتكاسات الفضيعة في مناسبات مختلفة ، خاصة بعد أن اصبحت اغنى واقوى دولة استعمارية في العالم، مباشرة مع انتهاء الحرب العالمية الثانية. حينها حذرها اللبناني نيقولا الشاوي بالنشيد: (( على مهلك يا شيخ الولايات .. على مهلك!   ذر الذرة واستعمل لنا  ..  ذرة من عقلك! ))

لقد نالت الانتكاسة الاولى في الصين اثناء الثورة الشعبية فيها والتي بدأت سنة 1927 وتمكنت من تحرير البلاد من المحتلين اليابانيين. استمرت هذه الثورة بعد الحرب العالمية بغية القضاء على حكومة تشان كاي شيك العميلة. بين 1945 و1949 صرفت امريكا مئات الملايين من الدولارات لانقاذ كاي شيك من السقوط.  جرت العملية حين كان سعر الذهب 35 دولارا ً. للمقارنة كانت ميزانية الدولة العراقية، مثلا ً، 30 مليون دولار في السنة. لقد استلمت حكومة كومينتانغ الصينية القاذفات والطائرات المقاتلة والمدافع والدبابات والصواريخ والقنابل الغازية وقاذفات النار. انتهت معظم هذه الاسلحة عند الثوار قبل ان تسطيع قوات الكومينتانغ من استعمالها. فتم تحرير الصين في اكتوبر 1949 في حين رفضت امريكا المهزومة حتى الاعتراف بجمهورية الصين الشعبية لاكثر من عشرين عام.

قاطع الاتحاد السوفياني مجلس الامن لرفض امريكا الاعتراف بالصين الشعبية فاستنغلت الولايات المتحدة غيابه لاخراج قرار الهجوم على كوريا الشمالية. وبعد حرب استمرت لثلاث سنوات ومقتل ما يزيد عن مليون صيني و مليونين كوري، من الجنوب والشمال، انتهت الحرب بالتعادل وتوقيع الهدنة بين الطرفين في تموز 1953.

لرفضها الاعتراف بفشل الاستعمار الفرنسي في فيتنام بعد معركة ديان بيان فو الشهيرة قررت حكومة جون كندي ازاحة فرنسا جانبا ً والدخول في الحرب بدلها ضد توحيد فيتنام الشمالية مع الجنوب. وبعد ان تم قتل خمسة ملايين من سكان فيتنام ولاوس وكمبوديا وبعد استعمال اجنت اورانج السام في فيتنام وغاز السارين في لاوس وكمبوديا انتهت امريكا بالفشل. لم تحصل شيئا ً سوى جثث جنودها القتلى الذين نقلوا الى مقبرة ارلينغتون في واشنطن في اكياس body Bags مكروهة . ومنذ ذلك الفشل الذريع اخذ المحللون يشيرون الى افول النجم الامريكي لفقدان بريقه.

امتازت العنجهية الامريكية منذ ذلك الوقت بالوحشية المفرطة التي امتازت بالانقلابات العسكرية الدموية. كما حدث في العراق في 1963 وفي اندونيسيا في 1965 ثم في البرازيل وشيلى والارجنتين وغواتيمالا والفلبين وعشرات غيرها من البلدان. ثم ابتكرت الحروب بالوكالة proxy wars باستخدام عساكر البلدان التابعة، وذلك بدء ً بالحرب العراقية الايرانية، بالاعتماد على حكومة البعث في العراق، تخللتها الحرب في نيكاراغوا لاسقاط حكومة الرئيس اورتيغا الثورية باستخدام عصابات الكونترا.

ظهرت وانتعشت الاساطير الخرافية حول عظمة امريكا العسكرية من جديد وذلك مباشرة ً بعد حرب الكوبت وسقوط الاتحاد السوفياتي وحلف وارسو. فقررالرئيس جورج بوش (الأب ) احتلال الصومال لكنه فشل فشلا ً ذريعا ً.

قررت امريكا تفتيت يوغسلافيا مستخدما ً منظمة القاعدة الاسلامية لابن لادن ونجحت نجاخاً باهرا ً بتعيين المسلم عزتبيكفيج، الامريكي الجنسية، رئيسا ً على البوسنة.

ثم قررت امريكا استغلال انهيار برجي التجارة في نيويورك في 11/9/2001 لتعلن الحرب العالمية ضد الارهاب. فاسست ما يسمى بـ "جبهة الراغبين " واعلنت الحرب في افغانستان على القاعدة بقيادة بن لادن الذي كان حليفها لسنوات ضد العدو السوفياتي، تبعها احتلال العراق في 2003. الا ان الحربين انتهيتا بالهزيمة المخجلة لأمريكا فتحولت الاساطير حول عظمتها الى اخرى تبشر بانهيارها. فلجأت من جديد الى حروب الوكالة. ففي الشرق الاوسط قررت تأجيج الخلافات الطائفية  باستخدام فتاوي رجال الدين الجهلاء. في حين ركزت على الخلافات الدينية لتقسيم السودان وتفتيت يوغسلافيا. اما في المخلفات السوفياتية فانها ركزت على الخلافات العنصرية لدفع جورجيا واوكرانيا ضد روسيا الاتحادية.

تملك الولايات المتحدة من القنابل النووية ما يكفي لتحطيم الكرة الارضية عدة مرات. فالكلام عن سقوطها، في حرب ضد عدو مثالي، لا يتعدى الخيال. الا ان بقاء النظام الرأسمالي الامريكي خطر على البشرية جمعاء. فالطريقة الناجعة لتبديل هذا النظام قد تولد وتنمو عن طريق توجيد كافة الشعوب، بما في ذلك الشعب الامريكي. انها ضرورة لابد منها ولكنها مازالت في بدايتها الجنينية.

ان ما يدعو الى التفاؤل هو بروز كتلة (( بريكس )) البديلة المكونة من روسيا والصين والهند والبرازيل وافريقيا الجنوبية المتكونة من 43% من سكان العالم وهناك امكانية نمو هذه الكتلة بانظمام ايران ومصر والجزائر وبلدان امريكا الوسطى والجنوبية اليها. الا ان ايقاف امريكا عند حدها، بصورة عملية وجدية، بحاجة الى الجماهير الملياردية العالمية المنكوبة بها، فهناك الآن اكثر من

  4,000 000 000 انسان في العالم يقل دخلهم اليومي عن 3 دولارات. يكون هؤلاء ثلثي سكان العالم. فحين تنهض وتتوحد هذه الجماهير وتثور، مثلما ثارت امريكا ضد المحتل البريطاني، عندها فقط تتحول نظرية افول نجم امريكا الى قوة واقعية جبارة.

 

في 21/5/2015

 

البروفسور المهندس كمال مجيد

 

 

24.05.2015

 

 

 

  عودة الى الصفحة الرئيسية◄◄

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

24.05.2015

  الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4]  | أرشيف المقالات  |  دراسات  |  عمال ونقابات |  فنون وآداب |  كاريكاتير  |  المرأة |  الأطفال | إتصل بنا       

      

لا للتقسيم لا للأقاليم

 

لا

للأحتلال

لا

لأقتصاد السوق

لا

لتقسيم العراق

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة

من الكتاب والصحفيين العرب و العراقيين   

 

                                                                  

                                                                          

  

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org