<%@ Language=JavaScript %> صائب خليل عادل عبد المهدي يهاجم الزعيم قاسم ويعّد لـ 8 شباط جديدة

 

 

 

عادل عبد المهدي يهاجم الزعيم قاسم

 

ويعّد لـ 8 شباط جديدة

 

 

صائب خليل 

24 نيسان 2015

 

نشر في المدى تصريح عن لسان الوزير عادل عبد المهدي، يعزو فيه "تحول الاقتصاد العراقي من اقتصاد دولة لريعي الى "القوانين الجائرة" والتغييرات التي تعرضت لها الدولة العراقية منذ أكثر من خمسة عقود"!

عندما ينشر تصريح لعبد المهدي فإن متابعي ملف النفط يقرأونه وأيديهم على قلوبهم، ويحاولون أن يستشفون من خلال "البالون" الجديد، الخطوة التالية لما يريده الأمريكان في الملف النفطي العراقي. وعندما يأتي ذلك البالون بعد زيارة العصابة إلى واشنطن، فأنه يكتسب أهمية إضافية وقلقاً ذو مستوى أعلى.

قال عبد المهدي بأن "التغييرات التي حصلت في بنية الدولة العراقية منذ أواخر الخمسينات وبدايات الستينات خربت الكثير من البناءات التي حصلت سابقاً". وأكد "حرص الوزارة على توظيف كل الجهود التي تصب في مصلحة القطاع النفطي والإسراع بالنهوض بالصناعة النفطية وزيادة الإنتاج وتعظيم الصادرات وبما ينعكس بالإيجاب على الإيرادات"، لافتاً إلى أن "الوزارة سارعت بتوفير الأرضية المناسبة لمواكبة زيادة الإنتاج النفطي وإيجاد الاحتياجات اللوجستية اللازمة لـتطوير شبكة النقل النفطي، وإيجاد آلية لمنح الاستثمارات العالمية للمصافي المحلية"..(هكذا نشرت).(1)

 

هذا ما قاله الرجل الذي يصيبك بالصدمة لكثافة الأحاييل والمؤامرات التي يستطيع ضغطها في عدد محدود من الكلمات! لنقرأ خطاب عبد المهدي ببعض التأني ونخضع عباراته للمراجعة.

أولاً، الإقتصاد العراقي لم يتحول من إقتصاد دولة إلى إقتصاد ريعي، لأن الإقتصاد الريعي هو نوع من اقتصاد الدولة! وإن كان عبد المهدي ينوي تغيير هذا الإقتصاد الذي يحتوي على نقاط ضعف أكيدة، فيفترض أن نجد في جمله ما نفهم منه أن لديه خطة لتقليل الإعتماد على النفط (الخام) أما من خلال تصنيعه أو من خلال صناعات أخرى. لكننا لا نجد في خطاب المهدي سوى الحديث عن زيادة سرعة بيع هذا النفط واستهلاكه وهذا لا يزيد الإقتصاد إلا اعتماداً عليه، وعلى ريعه. أما "منح المصافي إلى الإستثمارات العالمية" فهو كلام عام لا يصح إطلاقه هكذا، وكأن الإستثمارات العراقية مرفوضة مسبقا لأي مصفى. وعلى أية حال فلا تغير هوية المستثمر من طبيعة الإقتصاد الريعية، (إلا نحو الأسوأ إن كانت أجنبية، حيث تزداد قلة استقرار الموارد). وإن كان العراق قد زاد اعتماده على "ريع" النفط "منذ اواخر الخمسينات" كما يفهم من عبد المهدي، فلأن عبد الكريم قاسم قام بتأميم الأراضي غير المستثمرة بالقانون رقم 80، والذي تم التفاوض عليه في الخمسينات وأقر في 61، وبعد 11 عاماً قام البكر بتأميم ذلك النفط، وتسببت تلك "القوانين الجائرة" التي تحدث عنها عبد المهدي، بزيادة كبيرة جداً في مدخولات العراق من النفط!

 

ماالذي يزعج عبد المهدي في ذلك؟ الذي يقرأ التاريخ يعلم جيداً أن عبد الكريم قام بإصلاحات إقتصادية عظيمة خلال سني حكمه القصيرة على المستوى الإجتماعي والإقتصادي، ووضع الأسس لصناعة وطنية متطورة، ثم تطورت تلك الصناعة إلى حد بعيد في السبعينات وما تزال آثارها التي بدأت بالإضمحلال منذ الإحتلال الأمريكي ومعه مؤامرة الإنفتاح الإقتصادي وحرية السوق، لتدمير إنجازات "أواخر الخمسينات" وأوائل السبعينات! لكن دهشتنا تزول عندما نتذكر ان عبد المهدي لم يكن سوى أحد رجال الحرس القومي الذين قاموا بمذبحة 63 وقتل الزعيم وتدمير العراق.. وهاهو اليوم يهاجم ضمناً عبد الكريم قاسم حين يتحدث عن قوانينه الجائرة التي يحملها الإضرار بالإقتصاد العراقي بكل وقاحة وصفاقة رغم كل المعطيات المعاكسة!

 

كأي بالون لجس النبض، فإن محتوى تصريح عبد المهدي هو الهواء والمراوغة! فماهي "مصلحة القطاع النفطي"؟ هل هناك "مصلحة" للقطاعات"؟ أم أنها محاولة للإلتفاف على العبارة الصحيحة : "ان تحرص الوزارة على سياسة تجعل القطاع النفطي في مصلحة الإنسان العراقي"؟ فليس صحيحاً أن المصلحتين متناظرتان، فمصلحة الإنسان العراقي ليست في انتفاخ القطاع وتضخمه، بل هي في أن لا يستخرج ويباع من النفط إلا بقدر حاجته وما تتطلبه حماية الأسعار وقدرته على استعماله في تنمية ذاته ووطنه، وهذه القدرة ليست مطلقة، بل هي محدودة تماماً، في بلد تعجز الوزارات والمحافظات عن تصريف حصصها المالية في كل ميزانية حتى اليوم! و "مصلحة الإنسان العراقي" هي في ترك كمية مناسبة من النفط للمستقبل وللأجيال التالية، وليس استخراجها وتبذيرها وتوزيعها على اللصوص أو استهلاكها بلا "وجع قلب". إذن تختلف مصلحة الإنسان العراقي عن "مصلحة القطاع النفطي"، إن فهمنا للقطاع "مصلحة" بنموه إلى أكبر حجم ممكن. لكن لنترك موضوع حجم استخراج وبيع النفط إلى مقالة أخرى ولنركز على بالون عبد المهدي عن "القوانين الجائرة" منذ أواخر الخمسينات، وما يكشفه ذلك لنا من مخططات مرعبة جاء بها من واشنطن هذا الوزير الذي فرض فرضاً على النفط،...

 

لنفهم سبب تسمية  ما قام به عبد الكريم قاسم من قبل عبد المهدي بـ "القوانين الجائرة" دعونا نلقي نظرة على قانو رقم 80 المقصود، ونحاول أن نستشف من خلاله ما يمكن أن يزعج عبد المهدي منه والرغبة بإزالة آثاره كما يبدو. إنها فرصة لزيادة إطلاعنا على هذا القانون المهم في الإقتصاد العراقي. ولعل خير من نستشيره في هذا الأمر هو خبير النفط المصلاوي المخضرم الذي عايش قصة النفط منذ تلك الخمسينات التي تزعج عبد المهدي، الأستاذ غانم العناز(2) ومقالته “الزعيم عبد الكريم قاسم وسياسته النفطية أو القانون رقم (80) ” التي نشرها على صفحة الإقتصاديين العراقيين، والتي نلخص جزءاً كبيراً منها أدناه مع تعليقاتنا بين الحين والآخر. (3)

 

يكتب الغنام "يعتبر القانون رقم 80 اول واهم قانون في تاريخ العلاقات بين العراق والشركات، في الفترة السابقة لقانون تأميم النفط في عام 1972 ، حيث استطاع فيه العراق لاول مرة من فرض ارادته على الشركات لاستعادة 99.5% من اراضيه."

ويشير الغنام إلى أن موضوع استعادة الاراضي غير المستثمرة من شركات النفط قد اثير في الحكومة الملكية ايضاً والتي اعتبرته جائراً! وأن المفاوضات مع الشركات استمرت حتى قيام الثورة في 1958، ثم استؤنفت بعدها.

وكانت اهم مطالبات حكومة قاسم هي :

1- استرجاع الاراضي غير المستثمرة من قبل الشركات، وقد وافقت الشركات من حيث المبدأ لكنها عرضت إعادة نسب أقل بكثير مما تريد الحكومة وعلى مدى زمني أطول

2- مساهمة العراق في رأس مال الشركات، حيث طلبت الحكومة مساهمة 20% استنادا الى ما جاء في اتفاقية مؤتمر سان ريمو بعد ان علمت بمضمون رسالة سرية كشفت هذا البند.

 

ويقول الغنام أن المفاوضات استؤنفت بشكل متقطع حتى 1960 حضر الزعيم عبد الكريم قاسم قسم منها دون التوصل الى تسوية فتم تعليق عمليات الحفر والاستكشاف خارج حدود عمليات الشركات حتى يتم التوصل الى اتفاق، مما اضر بالشركات كثيرا حيث انه وضع حقل الرميلة الشمالي العملاق خارج حدود عمليات شركة نفط البصرة حيث انها لم تكن قد قامت باستثماره وتطويره . ولما لم يتم التوصل إلى اتفاق أرسلت الشركات وفد عالي المستوى واستؤنفت المفاوضات في 24 آب 1961. وفي الختام قدمت الشركات عرضها النهائي في أواخر 1961 ولم يلق ذلك العرض موافقة الحكومة فقام الزعيم عبد الكريم قاسم في ذلك الاجتماع التاريخي بتقديم عرض الحكومة النهائي والاخير الذي مثلت الفقرات التالية اهم ما جاء فيه:

- اعطاء الشركات حق الاحتفاظ ب 2% من مجموع اراضي امتيازاتها

- تنازل الشركات في الحال عن 90% من مجموع الاراضي

- انشاء شركة جديدة مشتركة مملوكة من قبل الحكومة بنسبة 20% ومن قبل الشركات بنسبة 80% لاستثمار ال 8% من الاراضي المتبقية.

- تنازل الحكومة عن مطالبتها بالاشتراك برأس مال الشركات البالغ 20% كما ورد في اتفاقية سان ريمو كما جاء اعلاه.

 

وكان الشعب يتابع محاضر الاجتماعات التي تصدر عن محطة الاذاعة من بغداد بشوق بصيغة الحوار بين الزعيم عبد الكريم قاسم وبين رئيس وفد الشركات السيد هاريج (قال الزعيم……) و (قال هاريج……).

 

لم يلق عرض الحكومة النهائي موافقة الشركات فقام الزعيم في نهاية الاجتماع باخبار ممثلي الشركات بان الحكومة سوف تقوم في الوقت المناسب باصدار القوانين اللازمة للحفاظ على حقوق الشعب العراقي في استرجاع اراضيه غير المستثمرة.

 

شكلت لجنة عليا لدراسة الموضوع فأوصت باسترجاع كافة اراضي الشركات الثلاث باستثناء الاراضي المستثمرة فعليا من قبلها

اي ان مجموع ما ترك من الاراضي للشركات يقل عن نصف بالمائة من اراضي امتيازاتها، وهي نسبة الأراضي المستثمرة، وصدر اثر ذلك القانون رقم 80 لسنة 1961.

 

يقول الكاتب: "انني لأذكر ذلك اليوم المشهود لصدور القانون الذي عمت فيه الفرحة كافت انحاء العراق حيث كنا نحن العاملون في شركة نفط العراق ندرك اهمية ذلك القرار التاريخي الذي باركناه لاعادته الاراضي التي بقيت غير مستثمرة لسنين طويلة."

وقد امتنع العراق الذهاب إلى التأميم خشية رد دامي من قبل الشركات مثل ردها بالإنقلاب على تأميم مصدق للنفط الإيراني، لكن أمله بتعامل أفضل لم يكن في محله أبداً، فتآمرت الشركات مع كردستان والبعثيين لمجزرة رهيبة في العراق.

 

وبعد انقلاب شباط وقتل عبد الكريم قاسم استؤنفت المفاوضات عام 1964 لفترة طويلة وتم التوصل في حزيران 1965 الى (اتفاقية الوتاري) لكنها رفضت من قبل مجلس الوزراء.

 

دعونا ننظر إلى "القانون الجائر" حسب رأي عادل عبد المهدي ونقتطف من ديباجته الطويلة التي تشرح الخلفية التي اصدر على أساسها، ما يلي من النصوص والمعلومات:

 

"..لقد جرى هذا التعسف بحق العراق في عهد لم يكن فيه يملك زمام امره كدولة مستقلة متحررة من النفوذ الاستعماري بل كان العراق تحت الانتداب البريطاني المباشر او النفوذ البريطاني بسبب المعاهدات غير المتكافئة والقواعد العسكرية الى جانب شتى وسائل الضغط السياسي واستغلال الازمات الاقتصادية والعجز في الميزانية العامة.

لقد منح الامتياز الاول لاستثمار النفط في العراق الى شركة النفط التركية ...دون ان يسبق ذلك عرض على الشركات العالمية الاخرى .... لولا الحكم البريطاني المباشر في العراق حينذاك لم تكن اية حكومة ذات سيادة لتعترف بمثل هذا الحق الغامض لتلك الشركة وتمنحها امتيازا هاما. ومن هنا، من هذا العمل غير الشرعي بدأ دخول شركات النفط الاحتكارية الى العراق حيث امتدت سيطرتها تدريجيا الى جميع اراضيه."

 

ثم تتحدث الديباجة كيف تم التلاعب بالعقد الإحتكاري وامتناع الشركات عن التحري والحفر بالحد الأدنى (وهو الأسلوب المعروف للشركات في الخنق الإقتصادي لأية حكومة في العالم تريد بناء بلادها كما حدث لـ إلندي ومصدق، وهو ذات ما اشتكت منه حكومة البكر قبل قيامها بالتأميم في 1972).

تستمر ديباجة القانون 80: "استطاعت (الشركات) بما لدى حكومتها البريطانية من نفوذ انذاك ان تحصل على تمديد للمدة المحددة لتنفيذ التزاماتها سنة اخرى ثم استطاعت للسبب المذكور نفسه ان تغير شروط الامتياز الاساسية بحيث رفعت منه قاعدة تحديد التحري والاستثمار بقطع صغيرة ورفعت منه الالتزامات التي تعهدت بها الشركة فيما يخص المدد وكميات الحفر ورفع منه حق العراق الغاء الامتياز عند عدم ايفاء الشركة بتلك الالتزامات"

وجاء في الديباجة أن الشركات استخدمت تلك الأراضي "احتياطا مجمدا دائميا يدعم مكانتها النفطية" دون أن يستفيد منه العراق. و"حصرت حقوق التحري عن النفط واستثماره في اراضي العراق جميعها بجماعة واحدة من الشركات الاحتكارية لقاء ثمن بخس ووفق شروط يسوده الغبن والاجحاف مما ادى الى تأخر عمليات التحري عن النفط واستثماره في العراق واوقع بمصلحة العراق ضررا بالغا من وجوه عديدة."

ثم يقدم القانون ارقام الحفر السنوي المحدودة التي قامت بها الشركات التي "لم تكن لترغب في توجيه نشاطها في استثمار النفط الى هذه البلاد" والذي لم يكن "بالمقياس الذي يتناسب مع مقدار الثروة الطبيعية في بلادنا." حيث لم تنتج خلال ربع قرن من الزمان سوى 6.5 مليون طن!

 

وبينت الديباحة أن حكومة قاسم رأت أن من حق الشعب زيادة حصة العراق من عوائد النفط ومساهمة العراق في رأس مال الشركات واستخدام الناقلات العراقية وتنازل الشركات عن الغاز المصاحب والأراضي غير المستثمرة وتعيين الموظفين والمدراء العراقيين وغيرها. وأشارت الديباجة إلى صبر الحكومة العراقية على طول المفاوضات رغبة في حل المشاكل بطريقة سلمية وودية وبنية طيبة رغم مماطلة الشركات.."وتماديها مدة ثلاث سنوات في المراوغة واطالة المفاوضات دون جدوى"، فقد اعتبرت الشركات مطالب "مساهمة العراق بحصة 20٪ ... وزيادة العوائد للعراق من الارباح باكثر من 50٪...هو ضرب من المستحيلات" رغم أن تلك النقاط منصوص عليها في المادة الثامنة من اتفاقية سان ريمو 1920 و أنها صارت قاعدة في الامتيازات التي تعقدها الشركات في جميع انحاء العالم، وأصرت "على التمسك ببنود جائرة هي اشبه بعقود اذعان فرضها الاستعمار". وذكر القانون أن الشركات ليس لها ان تحتفظ بالمناطق التي لم تستثمرها بعد ان مر على امتيازاتها مدة تتراوح بين 23 – 36 سنة، واتهم الشركات بتعمد تأخير تطور العراق.

 

وهكذا أصدر عبد الكريم قاسم "باسم الشعب" قانون تعيين مناطق الاستثمار لشركات النفط" الذي حدد مناطق الشركات بجداول مرفقة.

 

وقد عدد الأستاذ الغنام الانجازات في السياسة النفطية في عهد الزعيم عبد الكريم قاسم الذي لم يتجاوز الخمس سنوات ، والتي كانت مهمة جدا واثرت بصورة كبيرة في الاحداث النفطية المستقبلية

أ - انشاء وزارة النفط وبناء الكادر الفني النفطي للقيام بالمهام المناطة بها ومراقبة عمليات الشركات الواسعة والمعقدة  كالاستكشافية والانتاجية والتصديرية والمالية وغيرها

ب - تأسيس منظمة البلدان المصدرة للبترول – اوبك، والتي عقد اجتماعها التأسيسي التأريخي في بغداد في ايلول 1960 لتصبح اليوم من اهم المنظمات البترولية في العالم، وتمكنت من التأثير في تحديد اسعار النفط المتدنية جداً ورفعها

ج – اصدار القانون رقم 80 لاستعادة المناطق غير المستثمرة من شركات النفط.

د – ارساء الاسس والخبرات النفطية الازمة لتأسيس شركة النفط الوطنية العراقية، والذي تم بعد مقتل الزعيم في 8 شباط 1964 واستطاعت بعد سنوات تطوير حقل الرميلة الشمالي بالتعاون مع الاتحاد السوفييتي ولتصبح بعد تأميم النفط في عام 1972 قوة فعالة في مجالات التنقيب والاستكشاف والحفر وتطوير وتشغيل العديد من الحقول الجديدة.

 

هذه هي إذن "القوانين الجائرة" التي يريد عادل عبد المهدي الغاءها اليوم وإعادة عقرب الساعة إلى ما قبلها، وهذه هي الإنجازات التي يعدنا عبد المهدي بتخليصنا منها ومن "الإقتصاد الريعي" الذي جاءت به! فمن وجهة نظر من تعتبر هذه القوانين جائرة؟

نذكر أن شركات النفط قد اعتبرت حينها تلك القوانين “جائرة” أيضاً وطالبت بالتحكيم الدولي الذي تجاهله عبد الكريم قاسم! وإثر ذلك جاءت السفارة الأمريكية بعادل عبد المهدي ورفاقه من الحرس القومي الذي كان ينتمي إليه، لينقلبوا على إبن الشعب البار عبد الكريم قاسم و "قوانينه الجائرة"، ويقيموا المذابح في العراق له ولكل الوطنيين الشرفاء الذين أرادوا أن توجه ثروة البلاد لخيرها، وهو المبدأ الذي تعتبره أميركا من الجرائم الكبرى في أي دولة في العالم، كما يصف جومسكي ذلك في كتبه.  

 

الآن نفهم من يقف وراء مماطلات إعلان عبد الكريم قاسم شهيداً للشعب، ويحرص بدلا من ذلك على إنتاج المسلسلات عن عظمة "الباشا"! فالمراحل القادمة من المخطط تقتضي أن لا يعتبر عبد الكريم رمزاً، وأن تشوه إنجازاته كـ "قوانين جائرة"! إن هذا التصريح لعادل عبد المهدي لا يترك شكاً بأن الإنقلاب الذي أتى بحكومة العبادي هو استمرار لمؤامرة 8 شباط الدموية التي لم تتمكن لقصر عمرها والتهائها بالقتل والتآمر، من تنفيذ كل طموحات شركات النفط في العراق، بل سارت الأمور بشكل آخر وقامت حكومة البكر لاحقاً بتأميم النفط عام 1972. وبعد الإحتلال ورغم تركيزها على وزارة النفط منذ اليوم الأول، لم تستطع حكومات الإحتلال الأمريكي الحالي وحتى الآن تغيير قانون النفط العراقي رغم جهودها الحثيثة بقيادة عملائها في كردستان ولجنة النفط والطاقة في مجلس النواب العراقي. ولذا ارتأت أميركا كما يبدو إعادة انقلاب 8 شباط بنكهة أقل دموية، وبمساعدة ذات القيادات من عملائها في كردستان وشخصيات عديمة الضمير من أمثال حيدر العبادي وذوي التجربة الدموية في 8 شباط الأولى مثل عادل عبد المهدي!

 

لقد قيل الكثير عن تساهل عبد الكريم قاسم والأحزاب الوطنية وتماهلها أمام الخطر القادم الذي كانت تراه، وأنه هو ما تسبب في الكوارث الرهيبة التي جاءت بها مؤامرة شركات النفط وعملائها في 8 شباط 1963، والتي أغرقت العراق في الدم والظلام حتى اليوم. وها نحن اليوم نمر بذات الحالة من ونرى أمامنا الخطر المحدق لمؤامرة الأمريكية ثانية من أعداء العراق العبادي والمجلس الأعلى وقيادات كردستان، دون أن يتحرك أحد لوقف المؤامرة عند حدها. وقام المتآمرين الذين نشطوا فور تسلمهم السلطة بتسليم ثروة النفط لكردستان و بعقد الإتفاقات التي لا يعلم بها أحد مع الدول العميلة لإسرائيل وبمشاركة لحثالات ما يسمى قادة السنة بزيارات المكوكية لتلقي تعليمات دورهم في المؤامرة وتنسيقها من ملك الأردن مباشرة بضمن ذلك التسلح الذي يجري بعلم حكومة الإنقلاب التي يقودها حيدر العبادي.

 

وأخيراً جاء هذا التصريح لعادل عبد المهدي الذي لا يبقي أي شك في نوايا أميركا إكمال أهداف مؤامرة 8 شباط وما لم يتم إنجازه فيها من أهداف الشركات النفطية. فمصاحبة عبد المهدي للوفد إلى واشنطن تبدو لا معنى لها إلا هذا. ولنلاحظ أن القانون الذي يهاجمه عبد المهدي لم يكن من إرادة عبد الكريم قاسم وحدها، بل حتى النظام الملكي المعروف بانبطاحه لبريطانيا كان يراه ضرورياً! فحكومة العبادي أسوأ في رعايتها لمصالح الأمريكان على حساب الشعب، حتى من حكومة عبد الإله الذي ثار عليه قاسم.

 

لقد كان الصراع بين شعب العراق والشركات النفطية مريراً وقاسياً ودفع فيه الشعب أنهاراً من دماء أزكى أبنائه الغيارى وكان قاسم من أولهم، وهاهي الشركات تستولي على السلطة في العراق وتضع على رأسها أعفن عملائها وتستعد لهدم كل ما بناه الشعب وضحى بخيرة أبنائه من أجله. هاهم المتآمرون يطلقون البالونات لاختبار رد الفعل على الخطة التي كلفهم بها أسيادهم بمسح نتائج نضال وتضحيات شعب العراق لأكثر من نصف قرن من الزمان!  

 

ويبدو من جمع المعطيات المختلفة المعلنة أن مؤامرة الشركات وعملائها الأذلاء هذه تهدف إلى تمزيق العراق إلى دويلات فاشلة تضخ النفط وتسلم مردوده لشركات النفط والسلاح الذي قد تتقاتل به، حتى تنضب ثرواتها ويشرد أبناؤها بحثاً عن لقمة العيش، كما فعلوا في هايتي بعد التآمر على أرستيد كما فعلوا مع "عبد الكريم قاسم"، ووضعوا على حكم البلاد أرذل من فيها، فمصوا ثرواتها وسلموا شعبها إلى الفقر الدائم والضياع الأبدي بعد أن كانت من أغنى بقع الأرض.

 

ويمكننا بالعودة إلى ذاكرتنا باحداث الأشهر الأخيرة بعد الإنقلاب الأمريكي الذي جاء بالعبادي أن نجد المزيد من المؤشرات على ما نخشاه، فانتشرت دعوات إعادة النظر في العقود النفطية بحجة هبوط الأسعار وضرورة "مشاركة" الشركات "بتحمل أعباء ذلك"، والقصد هو تحويل العقود إلى عقود مشاركة كما هو حلم الشركات الذي حققته في كردستان، رغم نفي عبد المهدي لذلك القصد، فلا يمكن أن تحمل الشركات "اعباء الخسارات" دون أن تشاركها منافع الأرباح فيما بعد!

 

ولم تصدر هذه البالونات الخطرة عن مشاركة الشركات، من عادل عبد المهدي وحده(4)

وقادة كردستان المشاركين حتما في كل مؤامرة أمريكية على العراق وثرواته منذ ثورته، مثل عضو لجنة النفط والطاقة النيابية جمال كوجر(5) بل شارك فيها نواب في كتل أخرى ظهروا فجأة ولم نسمع باسمهم من قبل! (6)

 

وليست هذه هي المرة الأولى التي تكشف التآمر على قوانين قاسم والتأميم، فكثرما تحدث عبد المهدي عن "قوانين أكل الدهر عليها وشرب"، وتحدث هوشيار زيباري الذي ينتقل حيثما يحتاجه التآمر الأمريكي على العراق، فاستلم وزارة المالية، وكشف إن “الحكومة” تعتزم "تدبير أموال طارئة من خلال مبيعات من الاحتياطي النفطي بنظام الدفع مقدما" للمرة الأولى وستبدأ إصلاحات اقتصادية بتعديل عقودها النفطية مع الشركات الغربية الكبرى. وهي خطة كما يبدو لإيقاع العراق في براثن القاتل الإقتصادي التي تحدث عنها جون بيركنز(7)

 

ولعل أخطر كل تلك المؤشرات تصريح وزير الثروات الكردستاني بعد الإتفاق النفطي المزري مع عادل عبد المهدي، بأن المخطط (خلال سنة) سيكون تسليم كل مقاليد التصرف بالنفط إلى الشركات الأجنبية وأن تكتفي الحكومة بـ "جني الوارد" الذي تمنحه تلك الشركات، ، فقد أوضح هورامي لصحفيين اجانب أن بغداد سوف لن تكتفي بالموافقة على شرعية عقود كردستان، وإنما أن "ترخي" ادعاءاتها بحقوق التصدير إلى الدرجة التي تمكن شركات النفط من بيع النفط العراقي بشكل مباشر. وقال: "نأمل أن يتحقق ذلك خلال سنة واحدة.. وأن يتاح للشركات أن تقوم ببيع النفط بنفسها ونحن نجمع حصتنا من الوارد من كل عقد".(8) أي إعادة العلاقة كما كانت في بدايات اكتشاف النفط في المنطقة منذ حوالي قرن من الزمان حيث المشايخ تستلم الفتات وتسكت ودون أن تتدخل أو تدري بشيء!

 

إن مثل تلك الخطة الجهنمية قد لاتمر بسلام كما يأمل المتآمرون، ولا يستبعد أن تكون إزاحة العبادي للضباط الثلاثمئة من الجيش في نفس ليلة سفره إلى واشنطن واجتماعه بالشركات الأمريكية الكبرى(9) وبمؤسسات المال ذات التاريخ الدموي في العالم، وكذلك سفر بعض من تم تنصيبه قادة للسنة إلى الأردن مؤخراً لتلقي التعليمات وتنظيم تسليح العصابات التي يقودونها من الملك مباشرة، وكل ضغط السنين السابقة لفرض "المصالحة" المزيفة التي لا تهدف إلا إلى وضع من بقي من حثالات قيادات الجيش الصدامي المجتثين في مراتب عسكرية قيادية في الجيش والأمن والقوات الخاصة لتكرار تسليم المدن لداعش، ومشروع "الحرس الوطني" المشبوه، وجنونهم من ظهور الحشد الشعبي والتآمر عليه، إلا أجزاءاً من تلك المؤامرة واستعداداً لحمايتها من أية مشاكل غير محسوبة، وإحتياطاً لأي ردود فعل شعبية قد تظهر بوجه هذه الخطة التي يفضحها بالون عادل عبد المهدي الأخير.

 

هذا ما هذا هو المشروع الذي عادت العصابة به من واشنطن، وكر التآمر المتغول على البشرية، وهاهو سيناريو 8 شباط جديدة يلوح في الأفق، وبإدارة ذات الحرس القومي والبعث وقيادات كردستان ومباركة ذات القوى التي أهدرت دماء أبناء العراق الشرفاء، مضافاً إليهم فرق داعش الإرهابية والحثالات الجديدة التي تم تجنيدها.

 

إن كنت ترى معنا أن هذا السيناريو محتمل ولو بالحد الأدنى، وتشاركنا قلقنا من مثل هذا الخطر على العراق، فنرجوا مساعدتنا في نشر هذا التحذير بأسرع ما يمكن، والكتابة عنه، وإيصاله بكل الطرق إلى كل العراقيين، لعل أبناء الشعب الأبرار من شيعة وسنة والذين اعطونا الكثير من الأمل في الأشهر الماضية بتلاحمهم وعزيمتهم وبسالتهم وتضحياتهم غير المحدودة في دحرهم عصابات داعش، يتمكنون من درأ الخطر قبل ان يستفحل، ويردعون المؤامرة الرهيبة التي تخطط لها واشنطن وتل أبيب، والمصير الأسود الذي يريدونه للعراق وشعبه.

 

 

(1) وزير النفط: القوانين الجائرة حولت الاقتصاد العراقي الى ريعي

http://almadapress.com/ar/news/47400/1

(2) Ghanim Anaz: الاستاذ غانم العـنّـاز

http://ghanim-anaz.blogspot.nl/2013/07/blog-post_4655.html

(3) غانم العـنّاز : الزعيم عبد الكريم قاسم وسياسته النفطية أو القانون رقم (80) لسنة 1961

http://iraqieconomists.net/ar/wp-content/uploads/sites/2/2014/12/Ghanim-Al-Anaiz-Oil-policy-of-Abdul-Kareem-Qassim.pdf

(4) العراق يراجع عقود إنتاج النفط مع الشركات الدولية بسبب هبوط الأسعار

http://www.non14.net/59237 /

(5) النفط النيابية: اللجنة بصدد الاجتماع بشركات النفط العاملة في العراق لجلب الاستثمار

http://alghadpress.com/ar/NewsDetails.aspx?NewsID=28382

(6) دعوة إلى إعادة النظر في جولة تراخيص الشركات النفطية

http://www.almashriqnews.com/inp/view.asp?ID=81809

(7) وزير النفط: العراق خسر 14 مليار دولار دفعها كتعويضات للشركات النفطية لسوء التخطيط

http://www.akhbaar.org/home/2015/3/187975.html

(8) Hawrami draws ‘red line’ for Baghdad oil talks

http://www.iraqoilreport.com/news/hawrami-draws-red-line-baghdad-oil-talks-13794/

(9) العبادي من واشنطن يعد رؤساء الشركات الامريكية الكبرى برفع اية عقبات تواجههم نتيجة الاجراءات البيروقراطية

http://alnajafnews.info/?p=130706

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

25.04.2015

 

 

 

  عودة الى الصفحة الرئيسية◄◄

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

25.04.2015

  الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4]  | أرشيف المقالات  |  دراسات  |  عمال ونقابات |  فنون وآداب |  كاريكاتير  |  المرأة |  الأطفال | إتصل بنا       

      

لا للتقسيم لا للأقاليم

لا

للأحتلال

لا

لأقتصاد السوق

لا

لتقسيم العراق

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة

من الكتاب والصحفيين العراقيين   

 

                                                                  

                                                                          

  

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org