<%@ Language=JavaScript %> يحيا حرب القائد والزعامات

 

 

 

القائد والزعامات

 

 

يحيا حرب

 

استوقفني في خطاب السيد حسن نصرالله الاخير في ذكرى القادة الشهداء، ذلك التوجه الحثيث نحو الدول العربية والاسلامية، وخصوصا لدول الخليج العربية، ودعوتها الى وقفة عقلانية نقدية، لإعادة تصويب البوصلة.

فإلى ماذا يؤشر هذا الخطاب؟

لا بد أولا من الاشارة الى ان النبرة الهادئة والمدروسة للكلمة التاريخية للسيد نصرالله، جاءت لتعبر عن دوره كقائد عربي اسلامي في ملحمة تاريخية تخوضها الامة، في وجه واحدة من أشرس الهجمات واعتى القوى التي تسعى الى تدميرها، فكان السيد قائدا بما يليق بالمهمة التي انبرى لمسؤوليتها وبما يليق بالمناسبة التكريمية للقادة الشهداء.

وتحدث بلغة العقل والمنطق المتجرد من الحسابات الأصغر من الهدف السامي، بعيدا عن اي حسابات فئوية، رغم كل ما يحيط بالواقع من انقسامات وتصنيفات.

اذ لا يجوز ان يسبقنا الارهابيون الى ادراك مكامن القوة والضعف في الامة، ولا يجوز ان ندعهم يواصلون السير للأهداف الكبرى ونحن نتلهى بالصغائر والضغائن والحسابات المغلوطة.

"فالهدف مكة والهدف المدينة، وليس الهدف بيت المقدس، لماذا؟ كما يقول السيد نصر الله، لأن خليفة داعش لا تستقيم خلافته بدون الحرمين الشريفين. هذه هي المعركة التي نحن ذاهبون إليها.

وأمام هذا الخطر الذي يتهدد الجميع، نحن ندعو شعوب وحكومات المنطقة إلى العمل سوياً في مواجهة هذا التهديد الإرهابي التكفيري الخطير والكبير".

هكذا توجه السيد نصرالله الى دول الخليج العربية والى كل الدول والقوى العربية والاسلامية، بصفاء ووضوح وبشكل مباشر.

فهل دولة داعش الموعودة تستهدف فعلا المقدسات الاسلامية؟ هل هذا الاستهداف منطقي لاقامة دولة الخلافة؟ وهل هو واقعي من حيث امكانية حصوله؟ وهل الظروف السياسية والمذهبية تساعد في هذا التوجه؟ واخيرا هل يمكن للاستراتيجية الدولية ان تصل الى هذا الحد من اعادة تقسيم المنطقة وتفتيت كياناتها والعبث بمقدراتها؟

أسئلة كثيرة، ليس المطلوب ان نجيب عليها نيابة عن مفكري دول الخليج وقادة الرأي في المنطقة العربية والاسلامية، بل يجب ان يجيب هؤلاء عنها، مرة أخرى بعيدا عن الخطاب الاعلامي المتشنج الذي ساد الساحة منذ سنوات، والحسابات المصلحية المباشرة والعقائدية لبعض المتحدثين والكتاب.

لأن هذه الاسئلة الجوهرية تتطلب اجابات عميقة لا تستهدف المناكفة، و"الانتصار الاعلامي" وتسجيل النقاط، ولا التحريض والتعبئة للانصار والشارع الشعبي.

ولكن هل هذه الدعوة جاءت في محلها، وتوقيتها؟

نعم، وللأسباب التالية:

أولا: لقد آن الأوان، بعد هذه السنوات العجاف لما سمي بالربيع العربي، ان يقف الجميع وقفة مسؤولة، لإجراء المراجعة النقدية الهادئة، لكل ما جرى وللأثمان التي دفعت، والمآلات التي انحرفت اليها مسيرة هذه الامة وشعوبها جميعا، وإن بنسب متفاوتة.

ان ما لا خلاف عليه بحسب ظني، أن جميع القوى والدول والشعوب هي في عداد الخاسرين في هذه الحروب البشعة، التي خلفت انهارا من الدماء والمآسي الانسانية مما لا يجوز التغاضي عنه.

ولعل الجميع يشعر اليوم بأن ما نحن فيه أسوأ مما تصوره البعض قبل بداية هذه الحروب، وأن ما ينتظرنا هو الاسوأ.. سواء على صعيد ما يعانيه كل شعب على حدة، او ما أصاب القضايا المركزية والمصيرية للأمة.

وواضح ان المواجهات التي نخوضها او نستعد لخوضها، والاستراتيجيات التي يبشر بها البعض، أقل ما يقال فيها أنها لا تندرج في اطار المعارك السياسية، ولا الحروب الوطنية، ولا الصراعات القومية والانسانية..

ان مراجعة بسيطة للخطاب التعبوي الاعلامي والسياسي، والاطر التي تنتظم فيها القوى الفاعلة في ميادين الصراع، تشير الى اننا عدنا مئات السنين الى الوراء، ليس من حيث الزمان فحسب بل من حيث تخلينا عن قيم دين وحضارة ندعي انها أتت لتخرجنا من الظلام الى النور، ومن الجهالة الى الوعي والمعرفة.. فكيف نواجه العالم المتحضر الذين أنيطت بنا مسؤولية هدايته وان نكون فيه امة العدل والوسطية والتقدم؟!!

ان بعض الدول الخليجية تحديدا بحاجة ماسة للعودة الى السياسة، بعيدا عن الاحقاد والضغائن ومشاعر الثأر التي تحرك ديبلوماسيتها. والسياسة هي البحث عن الحلول والقبول بالشراكة وبأنصاف الحلول اذا تعذر الكل.. وتعلم فقه الاولويات.. فالمشكلة ليست في أن نختلف بل في كيف نختلف!

ثانيا: لقد كان من أهم النتائج التي أسفرت عنها الحروب والمواجهات الدموية المؤلمة، سقوط دور المال السياسي!! سقوطه عمليا وأخلاقيا.

فمن الناحية العملية يجب على دول النفط خصوصا وعلى جميع الدول الممولة لهذا العنف الاعمى الذي جرف المنطقة الى مآسيها، أن تعيد حساباتها وتراجع ملفاتها، وأن تسأل نفسها: الى أي مدى؟ وأين؟ استطاعت ان تحقق اهدافها السياسية او العقائدية من خلال شراء الذمم، وتمويل الاتباع والمؤيدين في الدول القريبة والبعيدة؟

فإذا صح ان بعض الدول انفقت مليارات الدولارات لكسب انتخابات نيابية في لبنان او العراق مثلا، فما هو المردود السياسي لهذا الانفاق؟ وهل استطاعت ان تغير مجرى الاحداث بنتائجها؟

ان ما نقرأه بالملاحظة العابرة ان مكانة هذه الدول قد تراجعت باطراد، بل لعلها خسرت كل نفوذها التاريخي، رغم الاموال الطائلة، في تلك البلدان.. أجل "إنهم ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون".

ومن الناحية الاخلاقية فإن القسم الأعظم من هذه الاموال تحول الى ادوات للقتل والجريمة المنظمة والانشطة الارهابية، التي ذهب ضحيتها مئات الآلاف من ابناء هذه المنطقة.. وساهمت في تعزيز الفساد وتعميمه، من خلال طبقة من تجار الحروب والمتاجرين بالبشر وكرامتهم وأعراضهم.

فماذا لو استغلت الاموال التي انفقها الخليجيون جميعا على حروب التدمير وتمويل الارهاب في تونس وليبيا ومصر واليمن والعراق وسوريا ولبنان، خلال السنوات الماضية، لتنمية المنطقة وخلق فرص عمل وتطوير تقدمها الصناعي والعلمي؟!

المال السياسي لم يعد قادرا على شراء الولاءات المثمرة ولا على صناعة النفوذ الحقيقي والدائم.. بل يمكن بناء ذلك بالتنمية والتعاون بين شعوب المنطقة ومواجهة الاخطار المشتركة ومن بينها اسرائيل والارهاب.

ثالثا: سقوط فرضية التدخل الأجنبي لتغيير المعادلات الاقليمية او الداخلية.. فلقد بات واضحا تماما أن الدول الكبرى والاقليمية لا تتحرك "غب الطلب" وبناء لرغبات وسياسات دول المنطقة. وان وهم التحالفات والمصالح المشتركة والعلاقت التاريخية، تبين انه مجرد وهم، وان هذه الدول تنفذ سياساتها التي تقرها اجهزتها الداخلية، وبحساباتها التي تناسب مصالحها، بصرف النظر عما تريده دول المنطقة او ما تتطلبه أزماتها.. ولم يعد غريبا ان يُضحى بنا من اجل مصالح انتخابية وليس من اجل مصالح وطنية او استراتيجية فقط.

فالدول التي راهنت على الولايات المتحدة لهزيمة خصومها السياسيين اكتشفت قبل غيرها، انها قد تكون الضحية الاولى لتبدل موازين السياسات الاميركية، والشعوب التي صدقت ان الغرب واسرائيل حريصان على طلبها للحرية والديمقراطية خبرت حقيقة الثمن الذي دفعته بسبب انخداعها بهذا الاعتقاد الساذج..

ومن هنا فإن الخليج سيصبح أكثر أمنا بالتعاقدات والتفاهمات الاقليمية ودعم الشعوب لأنظمتها، بدل الاستسلام للاستراتيجيات الغربية.. بل ان كلفة الامن الوطني والاقليمي المادية هي اقل بعشرات المرات من الابتزاز الذي يمارسه الغرب ضد هذه الدول.

ان المطلوب فعلا من بعض الدول العربية، كما قال السيد حسن نصر الله وبالخصوص الدول الخليجية، أن "تقارب ملفات المنطقة قليلاً بطريقة مختلفة، وأن لا تأخذها العزة بالإثم والإنفعال والغضب والحقد، فدعوا هذا يهدأ قليلاً واجلسوا وتأملوا".

انها نصيحة القائد الذي يخوض المعركة في الميدان ضد الاحتلال والعدوان الصهيوني من جهة، وضد التهديد الارهابي التكفيري من جهة ثانية، وهو يدرك ان المعركة ضخمة ومكلفة، وانها تتطلب اعلى درجات الوحدة والتضامن، وتحتاج لزج مقدرات الامة وامكاناتها فيها.

فهو ليس خطابا للمزايدة ولا للكسب الاعلامي ولا لإحراج احد، بل هو في قمة الصفاء والنبل والصدق، لأنه يعرف قبل غيره مستوى الخطر الذي يشكله هذا العدو المزدوج، ليس على حاضر الامة وحسب بل على مستقبلها ايضا، وليس على فئة او طائفة او جزء من هذه المنطقة بل على الامة ببعدها الوجودي والايماني والرسالي.

انه خطاب القائد لا الزعيم ولا الرئيس، خطاب من يعرف انه قبل ان اكون مسلما او مسيحيا، وقبل ان اكون من أتباع هذا المذهب او الحزب او التنظيم أو الدولة او القومية، فأنا انسان، خصني الله تعالى بالكرامة والحياة والاستخلاف.. والعدو الذي أمامي يستهدف الجميع دون استثناء.

فهل سيقرأون خطاب الامين العام بما يستحقه من عناية وتدبر؟

نأمل ذلك.

 

 

18.02.2015

  عودة الى الصفحة الرئيسية◄◄

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

18.02.2015

  الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4]  | أرشيف المقالات  |  دراسات  |  عمال ونقابات |  فنون وآداب |  كاريكاتير  |  المرأة |  الأطفال | إتصل بنا       

      

لا للتقسيم لا للأقاليم

 

لا

للأحتلال

لا

لأقتصاد السوق

لا

لتقسيم العراق

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة

من الكتاب والصحفيين العراقيين   

 

                                                                  

                                                                          

  

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org