<%@ Language=JavaScript %> معتصم حمادة عن السياسة.. والاقتصاد .. ودور الجبهة الديمقراطية في الحراك الشعبي

   

لا

للأحتلال

لا

للخصخصة

لا

للفيدرالية

لا

للعولمة والتبعية

حضارة بلاد الرافدين   

    

                                              

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين                                    

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                            

 

عن السياسة.. والاقتصاد ..

 

ودور الجبهة الديمقراطية في الحراك الشعبي

 

 

معتصم حمادة

 

ليس تهمة القول إن الجبهة الديمقراطية حرضت وشاركت في الحراك الشعبي في الضفة ضد القرارات الاقتصادية للحكومة. التهمة تكون حين تتقاعس الجبهة عن أداء هذا الدور في صفوف الحركة الشعبية

القول بأن قيادة الجبهة الديمقراطية في الضفة الفلسطينية حرضت على السياسة الاقتصادية لحكومة فياض، وشاركت في الحراك الشعبي ضد الغلاء الذي شهدته مناطق الضفة، ودعت له، .. ليس تهمة توجه إلى الجبهة، بل إن التهمة هي حين تنأى الجبهة بنفسها عن هذا الحراك، وتمتنع عن الانخراط فيه والمساهمة في قيادته وبلورة شعاراته، ورسم مطالبه، وآليات تحركاته وأساليبها.

فموقف الجبهة في الضفة الفلسطينية من السياسة الاقتصادية لحكومة فياض معروف منذ فترة طويلة، عبرت عنه في أكثر من وثيقة، من بينها تلك الوثيقة التي تقدمت بها إلى اللجنة المركزية للجبهة، والتي صادق عليها مؤرتمر الجبهة في الضفة والتي نشرت على الملأ، ووردت في أكثر من تصريح وبيان، وفي أكثر من موقف ورد على لسان قيادات الجبهة وكوادرها في الضفة. ولم يكن التحرك الشعبي ضد الغلاء وزيادة الأسعار أمرا مفاجئا للجبهة، ولقيادتها، لأنها كانت في مقدمة القوى التي كانت تدعو إليه، وتحرض لتنظيمه، من أجل الضغط على الحكومة لتعيد صياغة سياستها الاقتصادية، بعيدا عن اشتراطات الجهات المانحة وصندوق النقد الدولي، وخارج التقيد ببروتوكول باريس الاقتصادي، وبما يخدم مصالح العمال والفقراء، وأصحاب الدخل المحدود، ويرفع عنهم وطأة الغلاء وزيادة الأسعار، ويخفف عنهم وطأة الضرائب المباشرة وغير المباشرة، ويوفر لهم الضمانات والخدمات الصحية والتعليمية، ويرسم لهم الحد الأدنى من الأجور، ويفتح الآفاق لمشاريع استثمارية، تكافح البطالة، بما في ذلك منح قروض صغيرة طويلة الأمد للحرفيين، خاصة الشباب منهم ليشقوا طريقهم في الحياة.

وبقيت هذه المواقف، التي أجملتها الجبهة في وثيقتها الاقتصادية، على جدول أعمال منظماتها المختلفة في أنحاء الضفة الفلسطينية، وفي صفوف القطاعات الشعبية والاجتماعية والمهنية، وفق رؤية سياسية طبقية تنحاز إلى الفقراء والعمال والكادحين والفلاحين، وأصحاب الدخل المحدود، هي في جوهرها سياسة وطنية، تدرك جيدا أن خوض معركة التحرير من الاحتلال، والخلاص من الاستيطان، وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة بحدود الرابع من حزيران 67، وعاصمتها القدس، تتطلب بناء المجتمع المقاوم، الذي تنخرط فيه فئات الشعب كافة في المعركة، ولا يمكن فصل عملية بناء المجتمع المقاوم، عن سياسة اقتصادية تقوم على أساس من العدالة الاجتماعية، تتوزع فيها أعباء النضال والتضحية على الجميع، وتدفع فيها كل فئة ما يتناسب وقدراتها وإمكانياتها.

وبالتالي لا يجوز، من موقف وطني بعيد عن الإيديولوجيا، الحديث عن معركة التحرير والخلاص من الاحتلال، وغالبية الشعب تنوء تحت أحمال اقتصادية واجتماعية مرهقة، بينما تتمتع الأقلية بامتيازات غير محدودة، بنتها لنفسها بموجب الاتفاقات الموقعة، وبموجب سياسة اقتصادية تشتق من مفاهيم النيوليبرالية، علما أن الضفة، وكما هو معروف، تفتقر إلى اقتصاد وطني مستقل، يعطل قيامه التقيد ببروتوكول باريس، والالتزام باتفاق أوسلو. وعلما، أيضا، أن السلطة تعتمد في تمويل موازنتها في جانب كبير منها على المنح والقروض، وعلى الإيرادات الضريبية. فلا يجوز، والحالة هكذا، أن يذهب معظم هذا كله لجيوب الكبار، وأن يعيش الآخرون حالة من الحرمان المزمن، ولا يجوز في الوقت نفسه أن يكون الفارق بين الحد الأدنى لرواتب السلطة والحد الأعلى لها يتجاوز أحيانا نسبة واحد إلى عشرين.

***

والقول بأن الجبهة في الضفة، في موقفها من الحراك الشعبي راعت ـ بشكل ما ـ مشاركتها في الحكومة، أمر فيه خلل في قراءة سياسة الجبهة، منذ أن شاركت في الحكومة بوزارة الشؤون الاجتماعية. فالجبهة أولا، تشارك في الحكومة، ولا تشارك في الحكم. وثمة مسافة واسعة بين الحكومة والحكم. فالحكومة هي من يدير شؤون مناطق السلطة، أما الحكم فهو من يرسم السياسات العليا والعامة لهذه السلطة. والجبهة كما هو معروف، تقف من هذه السياسات موقفا معارضا وتطرح في مقابلها ما تسميه بـ «الإستراتيجية البديلة»  ، والتي ترى فيها الطريق الصحيح نحو تحقيق الأهداف الوطنية، عبر العودة إلى الميدان، والربط بين الميدان وبين أية عملية تفاوضية. وهي «الإستراتيجية» التي تقوم على مفهوم للمقاومة الشعبية الشاملة نحو انتفاضة ومقاومة بكل الأشكال، تكلف الاحتلال غاليا، وتعيد تقديم القضية الفلسطينية إلى الرأي العام في إطار يتناسب مع البرنامج الوطني، وبما يلتزم بوثيقة الوفاق الوطني التي أجمع عليها كل الأطراف، وكان مركز الحكم في السلطة في مقدمة من تجاوزها لصالح الالتزام بالاتفاقات الموقعة مع العدو الإسرائيلي.

ومشاركة الجبهة في الحكومة عبر وزارة الشؤون الاجتماعية محاولة لتقديم تجربة جديدة نظيفة لإدارة الشأن العام، ولكيفية معالجة قضايا الفئات الاجتماعية في الطابق الأسفل من المجتمع. وليس سرا القول إن ممثلة الجبهة في الحكومة أعلنت معارضة الجبهة للسياسة الاقتصادية للحكومة، وقدمت لإحدى جلساتها مشروعا بديلا، لم يوافق عليه رئيس الحكومة وعدد من الوزراء. غير أن هذا لا يلزم الجبهة ولا ممثلتها في الحكومة بالسياسة الاقتصادية المتبعة.

فضلا عن ذلك فإن موقف الجبهة ورقابتها على أداء الحكومة بقي في موقع المساءلة النقدية، إن في الأداء اليومي لإدارة الشأن العام، أو في الاعتراض على السياسة العامة للسلطة. ومن المفيد هنا أن نتذكر معا مجموعة المواقف النقدية التي طالت رئيس الحكومة شخصيا حتى في ظل مشاركة الجبهة فيها.

وجهت الجبهة نقدا حادا لرئيس الحكومة وطالبت اللجنة التنفيذية بإحالته إلى المساءلة حين اخترق الإجماع الوطني على مقاطعة الجانب الإسرائيلي ولبى الدعوة للمشاركة في أحد مؤتمرات هرتسيليا السنوية. أثير هذا الموضوع علنا في بيان وزع على الرأي العام، وفي داخل الحكومة وفي داخل اللجنة التنفيذية.

انتقدت الجبهة بشكل واضح وصريح، دعوة رئيس الحكومة إلى «مقاومة شعبية سلمية»، ورأت في هذه الدعوة محاولة للالتفاف على الحركة الشعبية وإفراغ المقاومة الشعبية من مفهومها، وتحويلها إلى تحركات فولكلورية، ترسم سقفها بحدود ما يرتضيه العدو، وترتضيه الجهات المانحة.

كذلك انتقدت الجبهة «إستراتيجية» رئيس الحكومة التي أعلنها في العام 2010، تحت عنوان بناء البينة التحتية لقيام الدولة المستقلة بالمحاور الثلاثة: اقتصاد وطني، مقاومة شعبية سلمية، ومفاوضات مع العدو. ورأت الجبهة مسبقا أن هذه الإستراتيجية سوف تقود إلى الإفلاس وأنها خيالية وغير واقعية ولا تستجيب لمتطلبات النضال. وانتهى العام الذي رسمه رئيس الحكومة لخطته [في آب/أغسطس] وبدلا من أن تقوم الدولة الفلسطينية المستقلة، غرقت السلطة،، بفعل الإستراتيجية السياسية الراهنة، أكثر فأكثر في الأزمات السياسية والاقتصادية، والتي تولد عنها الانفجار الشعبي الأخير.

كما اتخذت الجبهة موقفا صلبا من القرار المتفرد لرئيس الحكومة في تأجيل الانتخابات المحلية والبلدية إرضاء لأحد الأطراف في السلطة. وكانت في مقدمة القوى التي أدانت هذا القرار، وحملت أصحابه مسؤولية نتائجه السلبية، ودعت إلى التراجع عنه، كما كانت في مقدمة القوى التي لجأت إلى القضاء، حيث فازت بقرار يلزم الحكومة بتنظيم هذه الانتخابات في 20/10/2012.

وأخيرا وليس آخرا، اتخذت الجبهة موقعها الطبيعي في قلب الحركة الشعبية في حراكها الأخير، ضد سلسلة القرارات الاقتصادية الجائرة وضد السياسة الاقتصادية للحكومة، وغلبت كما هو مفترض موقعها في الحركة الشعبية على موقعها في الحكومة، بل ولنقل بعبارة أكثر دقة أخضعت مشاركتها في الحكومة وسلوكها في الحكومة، لمتطلبات موقعها في الحركة الشعبية، متبعة بذلك سياسة تنسجم مع برنامج الجبهة، وموقعها الطبقي الاجتماعي، وسلوكها على مدى تاريخها المديد.

***

لماذا لم تخرج الجبهة من الحكومة في ظل الحراك الشعبي الأخير في الضفة الفلسطينية؟. مثل هذا السؤال طرح بحدة على مستويات وفي مجالات مختلفة. كان يمكن للجبهة أن تنسحب من الحكومة، وأن تتبرأ من سياستها لكن مثل هذه الخطوة سوف تعبر عن سياسة شعبوية، غوغائية هدفها التقرب من حركة الشارع بأرخص الأساليب وأقلها تكلفة. كما أن مثل هذه الخطوة ستعني أن الجبهة تخلت عن مسؤولياتها. لقد تحملت الجبهة مسؤولياتها كاملة في ظل الحراك الشعبي.

أولا في الشارع، في المشاركة الفاعلة في الميدان من خلال مندوبيها وأعضائها في الاتحادات والنقابات والمؤسسات الشعبية المختلفة.

ثانيا في الحكومة من خلال الدعوة إلى سلسلة من الإجراءات الاقتصادية مشتقة من الوثيقة التي كانت قد تقدمت بها في وقت سابق لبناء سياسة اقتصادية بديلة.

ثالثا من خلال الاجتماع القيادي الذي ضم اللجنة التنفيذية وقيادات سياسية وحكومية وغيرها، حين أكدت على موقفها وتقدمت باقتراحات، استجاب لبعضها رئيس الحكومة في مؤتمره الصحفي.

غير أن هذا لا يعني أن بقاء الجبهة في الحكومة مسألة ثابتة. إن مشاركة الجبهة في الحكومة تخضع لرؤية معينة، تفترض أن بإمكان هذه المشاركة أن تؤدي وظيفة محددة في خدمة رؤية الجبهة الاقتصادية والاجتماعية. وأن انسحاب الجبهة من الحكومة يخضع لرؤية أخرى، إذا ما تبين أن هذه المشاركة لن تؤدي الوظيفة المطلوبة منها.

لذلك وعندما يتطلب الأمر أن تنسحب الجبهة من الحكومة، فإنها كما دخلتها بجرأة، سوف تنسحب منها بجرأة، وكما رسمت برنامج مشاركتها المعلن أمام الرأي العام، سوف تعلن أسباب انسحابها.

يبقى الأساس الدور المبادر والفعال والمثابر للجبهة، في صفوف الحركة الشعبية ومؤسساتها النقابية والاجتماعية وغيرها.

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا