عراقيون أبجد هوّز
و - وتربمب
عناد عبد الصعب
أنهى المهندس فريد دوامه بالدائرة الحكومية قبالة الجمعية
التعاونية في الطرف الجنوبي من شارع الرشيد ببغداد. الجمعية
التعاونية اكتسبت اسم جمعية طلفاح بسبب هيمنة خال الرئيس العراقي
صدام حسين على مقاليد امورها. بناية الجمعية كانت أسواق حسّو
المتحدة. بدأ الموظفون بمغادرة الدائرة و بقى فريد ينتظر في غرفته
المبردة بدلا من الحر في شارع الرشيد. تفتح الجمعية ابوابها في
الساعة الرابعة عصرا. غادر فريد الدائرة بعد منتصف الثالثة عصرا و
اتجه الى مطعم في الشارع الخلفي للجمعية. دخل المطعم المغمور ذي
الواجهة الزجاجية التي نسيت لونها. جلس الى طاولة و انتظر وجبته:
نص نفر كباب. فرد جريدة الجمهورية و قرأ العناوين الرئيسة: الرئيس
القائد يمنح ضباطا شجعان اوسمة الشجاعة، جماهير الفرات يعاهدون
الرئيس القائد بالدم و انفجار مكوك الفضاء و مقتل طاقمه. جاء صاحب
المطعم بالكباب و عاد الى مكانه يجفف الصحون المغسولة.
انهى فريد وجبته و تأكد من الوقت. ذهب الى المغسلة الوحيدة و امسك
بالصابونة العنيدة بعد عدة محاولات. كانت هناك مرآة أعلى المغسلة
ثم السورة القرآنية: قل أعوذ برب الفلق من شر ما خلق ... التي علقت
فوقها صورة كبيرة لصدام حسين بنظرة جامدة. تجمد فريد في مكانه و
نظر خلال المرآة فرأى صاحب المطعم و قد تجمد هو الآخر بمكانه و
الصحن المبلول بيده ينتظر امرا ما. ازدحمت الافكار برأس فريد: هل
يتجاهل الامر كأن شيئا لم يكن، ماذا لو كان هذا كمين نصبه الامن
لاختبار المواطنين؟ هل هذه طريقة لاظهار عدم الانصياع لاوامر حزب
صدام؟ اسرع بغسل يديه ودفع حسابه و خرج الى الجمعية. كانت الساعة
تقترب من الرابعة و كان حشد من النسوة يلتفعن بالعبايات السوداء قد
اصطففن عند باب الجمعية. خرج رجل يرتدي الزيتوني و قد صفف شعره
بعناية واضحة. صرخ بالنسوة : شتريدن؟ كلجن دلالات تروحن تبيعن
الاغراض بالسوق. ردت عليه احداهن: شنسوي ولدنا وانقتلوا بالحرب و
عدنه فروخ(اطفال) منين نجيب فلوس؟ تظاهر الرجل انه لم يسمعها فتح
الباب بما يكفي لشخص واحد ان يمر بصعوبة. فكر فريد وهو يقترب من
الباب بما يريد شراءه و بدء تأثيث بيته لخطيبته اناهيد –زميلته
بالدائرة- و استبعد ان تشاركه خطيبته مدللة اهلها بمسؤلية الدار و
الشراء بالاخص في اجواء كهذه.
دفع نفسه بقوة بين النسوة المتدافعات و افلح بدخول الجمعية التي
كان الذين فيها يتراكضون بهستيريا كمن لا يريد ان تضيع منه فرصة.
رأى رجل يلتصق بالرجل الزيتوني متوسلا اليه ان يساعده. كان
الزيتوني يمشي كقائد عسكري بين جنوده و ابلغه ان هناك مكرمة من
الريّس سيساعده فيها فازداد الرجل التصاقا به خشية ان يفقده. صعد
فريد الدرج نصف الدائري و رأى عبد الرزاق(حارس الدائرة) و سلم
عليه: شلونك استاذ جوقي؟ اخبره جوقي: الاستاذ خليل ابراهيم
التكريتي رئيس الجمعية في غرفته و سيساعد الاعضاء في طلباتهم. ذهب
فريد الى حشد و سأل احد المحتشدين عم يسجلون ارقامهم و علم انه
قرعة على طباخات غازية. دفع فريد نفسه بقوة خلال الحشد حتى وصل
المسؤل عن التسجيل و دفع بدفتر عضوية الجمعية رقم 106. عاد الى
ذهنه رقم 106 و هو نوع هاون كانوا يسمونه الاخرس لان القذيفة تصيب
هدفها قبل ان يسمع المستهدف عويلها و هي تهطل من السماء. رأى في
ذلك فأل حسن. تذكّر اناهيد.
همّ بالذهاب الى رئيس الجمعية فرأى الرجل يتوسل الى الزيتوني: انته
كلتلي هذه مكرمة الريّس؟ طباخات بستة دنانير. طلعت طباخات لعب
اطفال. رد الزيتوني: اي و شتريد؟ انطيها لولدك يلعبون بيهه. اوضح
المتوسل انه بلا اطفال ورد الزيتوني: انطيه لولد اخوك الشهيد. صرخ
المتوسل: ست دنانير تكفيني اشتري لحم للبيت.
اسرع فريد بالابتعاد عن المتوسل فهو يريد ان يلتقي رئيس الجمعية.
التقاه جوقي و اخبره بالاسراع الى طابور امام باب مكتب "استاذ
خليل". فعل ذلك و لحظ ان جوقي يعرف حاجب مكتب رئيس الجمعية. جاء
دوره و دخل قبله جوقي يخبر رئيس الجمعية: استاذ فريد، مهندس
بالدائرة. رفع خليل رأسه و سأل: شنو طلبك؟ ازدحمت الافكار برأس
فريد: اناهيد و أعوذ برب الفلق و مكرمة الريّس و انواط الشجاعة و
المكوك الفضائي تشالنجر.... سأل خليل ثانية: يلله ابني ما عندي
اليوم كله خلينا نخلص و نرد لاهلنا. تلعثم فريد و اخرج طلبه
بكلمة: استاذ، وتربمب....
عناد عبد الصعب
31 تشرين الثاني 2012
Enadabdulsaab@yahoo.com
