<%@ Language=JavaScript %>  قاسم حول ما فيش فايدة يا صفيه!

   

لا

للأحتلال

لا

للخصخصة

لا

للفيدرالية

لا

للعولمة والتبعية

حضارة بلاد الرافدين   

    

                                              

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين                                    

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                            

 

 

ما فيش فايدة يا صفيه!

 

 

  قاسم حول

 

شخصية سياسية من شخصيات العراق الوطنية. أسمه "باقر إبراهيم" من عائلة متوسطة إجتماعياً دخل معترك الحياة السياسية وكنا نسمع عنه الكثير كشخصية غير مرئية في الشارع وغير متواجدة في المقاهي ولا نراه في الأماسي الثقافية ولو جاء ليستمع أو ليشاه فهو يرانا ولا نراه حيث صورته غير متداولة في الصحف والمجلات ولا يظهر على شاشات التلفزة. كان يحلم ويتمنى لوطنه ألخير وناضل بصدق وفروسية عالية تحمل عذابات السجون. وكان في كل حياته واقعيا. يعرف الجميع أن له قدرة تنظيمية مذهلة وخاصة في مسارات العمل السري داخل العراق.

وفي وقت تاجر فيه الكثيرون بالعملية السياسية ونهبوا أموال البلاد والعباد بل ونهبوا أموال أحزابهم، كان هو نظيف القلب واليد واللسان.

نشرت له دار الطليعة في بيروت أخيراً مذكراته السياسية بعنوان "مذكرات باقر إبراهيم". يقع الكتاب في 495 صفحة من القطع الكبير. من خلال الكتاب نتعرف على الشخصيات السياسية والوطنية التي لعبت دوراً في الحياة العراقية ومن خلال مذكراته يمكن للقارئ أن يتعرف على الحارات والبيوت وطبيعتها والمدن والحارات وتاريخها. ومن خلال المذكرات ربما يستنتج القارئ شيئا خفيا لو كان دقيقا في قراءة المذكرات وقراءة الواقع وما آل إليه العراق عبر التقلبات والمتغيرات السياسية، وهو أن العراق يعيش اليوم أسوأ الحالات في تأريخه القديم والحديث في وقت يتنحى فيه باقر إبراهيم وكل باقر إبراهيم جانبا بعد أن فقدوا الثقة بما جرى وما يجري اليوم على أرض بلاد ما بين النهرين!

يلمس القارئ في مذكرات "باقر إبراهيم" الصدق وهي أهم ميزة لمستها في قراءة مذكرات حيث الموضوعية ماثلة للعيان، وفوجئت وأنا أحد متابعيه سياسيا في العراق وخارج العراق، فوجئت بأسلوب مدهش بسيط وأنيق وبصياغة فيها الكثير من الدقة ولم أكن أعرف أنه يملك هذا القلم الأنيق الذي يعبر عنه "الأدب السياسي" والتفاصيل الصغيرة عن المعلمين والمدرسين والعائلات العراقية والأساتذة والمفكرين والأحدث التي تدخلك في عالم روائي وكأن الكاتب يسطر رواية سياسية حتى تتمناها أن لا تكون سياسية.

الذين يهمهم العراق أو الذين يعرفون الكاتب ويعرفون تاريخه ويودون أن يعرفوا التفاصيل عن الحياة السياسية ربما يهمهم أكثر قراءة المذكرات، لكن كتاب مذكراته بشكل عام يشكل شهادة حقيقية نظيفة واعية لعصر صعب ومخيف!

بعد أن أكملت قراءة المذكرات، ووضعت الكتاب جانبا صرت أتأمل الواقع، واقع الأحزاب التي أدت بالعراق  وقادته نحو الخراب الكامل، كل الأحزاب دونما إستثناء، اليسارية منها والقومية واليمينية منها والدينية. أستنتجت بأن فكرة الأحزاب هي فكرة خاطئة  وتصبح غير مجدية بشكل خاص عندما تكون وتعمل تحت الأرض، حيث تنعكس فكرة السرية على سرية السلوك وباطنيته وهي لأنها ليست تحت الشمس ولأنها قائمة على فكرة الحلقات والسلاسل التنظيمية فأنها تعتمد على التقارير والرموز والشفرات فيصبح الإنسان المنتمي لهذه الأحزاب شخصا باطنيا ويحلم أحلاما لا علاقة لها بالوضوح ولا بالشمس بل هي أحلام السراديب أو بالأحرى كوابيس السراديب.

فجأة وعندما يتهدم البناء الإجتماعي ويصبح الناس تحت ضوء الشمس في فوضى مثل هذه التي تحصل في الوطن العراقي اليوم، تبرز فئة ظالة غريبة وتقود المجتمع الجديد  وينزوي الناس الشرفاء لأنهم لا يملكون القدرة الحربائية في التعايش مع الواقع. ولكن لأن الأمور تقاس بنتائجها فإن نتائج الواقع العراقي تثبت بأن الممارسة السياسية كانت خاطئة تماما. والثمن كان باهضاً وباهضا جداً حتى الخوف من أن الحل سيكون صعبا وأخشى أن يكون مستحيلا حيث يترك الوطن تعبث به الأمراض وتفتك به نزوات الإنسان الشريرة على حساب البناء والطفولة والحلم.

يجلس اليوم هذا الرجل "باقر إبراهيم" الذي أحب وطنه بصدق وبحسن نية ولكن كما يقال الطريق إلى جهنم مفروش أحيانا بالنوايا الحسنة! يجلس اليوم وهو الذي كان يحلم بوطن سعيد وبشعب حر، يجلس منزويا في ثلج السويد يكتب مذكراته للحقيقة وللتاريخ في وقت ضاعت فيه  الجغرافيا!

بعد أو وضعت الكتاب جانبا وأنا أقرأ السطور الأخيرة تذكرت الشخصية الوطنية المصرية سعد زغلول  ودوره في مجابهة الأستعمار ونضاله مع رفاق دربه وحبه لمصر وحلمه النظيف. وفيما كان على فراش المشهد الأخير للأنسان كانت زوجته "صفية" تواسيه أنه سوف يغادر هذه الدنيا وأسمه لامع في سماء مصر، وكانت تقول له أن نضالك سيثمر وسوف تزدهر مصر وتتألق في الحلم الذي هو حلمك، وأن حلمك سوف يتحقق وسيذكرك الناس بالحب والمجد وجميل العرفان.

كان سعد زغلول يعرف ماذا كان يدور في مصر وكيف كانت تعيش مصر وهو يودعها الوداع الأخير. فقال لها "ما فيش فايده يا صفيه .. غطيني!"

 

سينمائي وكاتب عراقي مقيم في هولندا

sununu@ziggo.nl

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا