<%@ Language=JavaScript %> د. كاظم الموسوي ملف العار.. اعتراف متأخر

 

 

ملف العار.. اعتراف متأخر

 

 

د. كاظم الموسوي

 

لم تكن معلومات الملف الذي نشر عن عمل وكالة الاستخبارات الامريكية وعن ممارسات التعذيب في سجونها المنتشرة خارج ارضها جديدة او مخفية. فقد عرفت في حينها وسربت في وسائل اعلام كثيرة. وروجت لها جهات ليست بعيدة عنها. وتمكن اعلاميون وصحفيون وكتاب مستقلون من نشر ما تمكنوا من الحصول عليه من الضحايا مباشرة او من مراسلات ومصادر لهم. ولكن كثيرين انكروها او حاولوا الانكار او التعمية عليها لعلمهم بخطورة انتهاكها لكل قانون او عرف. ولأنها ترقى للجرائم التي يطالها القانون ويحاسب عليها الدستور، سواء في الولايات المتحدة نفسها او خارجها حصل لها ما حصل. المهم ان الملف، او الاصح بعضه، الذي وصفته وسائل اعلام غربية بالخزي والعار والتضليل صدر الى العلن وهو بالتأكيد وثيقة اعتراف متأخر عن الجرائم التي ارتكبت، ودليل الانتهاكات التي مورست واثبات الارتكابات التي قامت بها الاجهزة الامنية الغربية عموما والأمريكية خصوصا، سيما في النقاط السوداء في الخارطة السياسية الامريكية ومناطق نفوذها في اكثر من بقعة في الكرة الارضية.

ما نشر من الملف جاء في تقرير ملخص بـ480 صفحة من 6000 صفحة، أي ان ما سيتاح للرأي العام منه جزء يسير جدا، ورغم ذلك اثار ضجة واسعة لما احتواه من معلومات، وثبته من وقائع وتفاصيل عن الاساليب والممارسات، المثيرة للجدل كما يعرفونها، التي استخدمتها الوكالة في التحقيقات مع المشتبه بهم، ولم يتوصلوا عبرها الى المراد منها، كما اعلنوا. بمعنى ان الذين تعرضوا لتلك الوسائل والعنف غير المبرر لم يكن اغلبهم مذنبا فعلا او مشاركا حقا في الاتهامات التي وجهت له او ان الوكالة اخطات بحق هؤلاء الاغلب، او تجاوزت عليهم او تورطت بهم ولم ترع ما لهم وما يجب القول عنهم الان. وتركوا نهبا للانتهاكات والوسائل المخزية. الى الدرجة التي خشيت الادارة الامريكية من ردود الافعال الحادة ضد مؤسساتها ومصالحها وسفاراتها بعد نشر التقرير وفضح ملف العار. وهو من اعمال مجلس شيوخها ومن انتاج آلتها الاعلامية والقانونية.

قال ناطق باسم البيت الأبيض إن السفارات الأمريكية وغيرها من المصالح اتخذت إجراءات احترازية بعد ورود "بعض المؤشرات" إلى احتمال تعرضها "لمخاطر". ونقل عن وزير الحرب الأميركي إنه أمر قادة الجيش في أنحاء العالم بإعلان حالة التأهب العالية تحسبا لأي هجمات قد يتعرض لها الجيش الأميركي، مضيفا أنه لم يجر الإبلاغ عن تهديد محدد. فلماذا هذه المخاوف؟ ومن اين تأتي المخاطر؟. اليس هذا اعتراف آخر بحجم ما ارتكبت الاجهزة الامنية والإدارة الامريكية؟. وبهذا تقر بان ما قامت به الوكالة لم يكن ضمن القانون والدستور الامريكي ولا الاعراف والقانون الدولي ولوائح حقوق الانسان. وما تصرفت به الوكالة كان اكثر من مخز وعار، الحقته الوكالة بسمعتها وسمعة بلادها وشعاراتها وادعاءاتها عن الديمقراطية وحقوق الانسان!. وهو في كل الاحوال جزء من حبل الغسيل الطويل المتستر عليه، طي الكتمان والمخفي في الصفحات العديدة من نص التقرير. وتدعي الوكالة (سي آي ايه) أن برنامج الاعتقال والتعذيب هذا سمح لها بالتعرف إلى إيديولوجيا التنظيمات الإرهابية عن قرب، وبكشف معلومات بالغة الأهمية في ما يخص "الأمن القومي" الأميركي!، وهو عنوان عريض تتذرع به وكالات الاستخبارات الأميركية، ومنها الـسي آي ايه، و"وكالة الأمن القومي" من أجل الاعتداء على أفراد خارج إطار القانون.

معلوم إن التعذيب جريمة قانونية ويحاسب عليها قانونيا وأخلاقيا، وان الادارة الامريكية في عهد الرئيس الامريكي السابق رونالد ريغان، في عام 1988، وقعت معاهدة مع الأمم المتحدة ضد سياسة التعذيب. ولكنها اخلت بها تماما بعد احداث ايلول/ سبتمبر 2001، وفتحت ابواب حهنم لوسائل التعذيب والعنف الوحشي وبإطار ممنهج، لعدة سنين بعد ذلك. وهذا ما حاول  التقرير كشفه ووضعه على حساب برنامج وكالة الاستخبارات المركزية الامريكية في استجواب المعتقلين لديها في القضية تلك وما تعلق بها دون الاشارة الى المخططات الامريكية التي صحبتها او جاءت بعدها او كانت السبب لها.

هذه الاساليب كما جرى التأكيد عليها دائما ليست خاطئة وحسب بل انها انتهاك صارخ لحقوق الانسان والقانون المحلي والدولي والدساتير والأعراف. وهو ما رأته صحيفة الغارديان البريطانية، التي سبق لها وان نشرت تقارير، مع وسائل اعلام اخرى، عن هذه الاساليب واستنكرتها وأدانت الاستمرار فيها. وكشفت الصحيفة أن الوكالة كذبت بشأن برنامجها  لاستجواب المعتقلين، وهي لم تكذب فقط على الشعب الامريكي بل على الحكومة الامريكية نفسها. إذ زودت البيت الابيض بمعلومات غير دقيقة. وختمت الصحيفة بالقول إن "الامريكيين اليوم يواجهون تحديا كبيرا ألا وهو العمل على عدم تكرار أمور مماثلة"!.

رغم توصيف الملف للعمليات والأساليب المتبعة بأنها "وحشية" و"غير فعالة" لمشتبه بهم وان الوكالة ضللت المسؤولين بشأن ما كانت تفعله، وفشلت المعلومات التي حصلت عليها من خلال "أساليب الاستجواب المطورة" في تأمين معلومات من شأنها إحباط أي تهديد، فهناك من يدافع عنها ويبرر لها ما قامت به. كما هو حال نائب الرئيس السابق ديك تشيني. الذي اعترف بعلمه والرئيس الامريكي بوش الابن بها، وأعداد من ابناء الوكالة وأزلامها.

اذا قُبل هذا كاعتذار متأخر فلا بد من استكماله بعد هذا الفضح بالمحاسبة. كما دعت الامم المتحدة والمنظمات الانسانية او التي تحمل عناوين الدفاع عن حقوق الانسان. وهذا تحد رئيس بشان هذه القضية. ينبغي إلا يمر هكذا في الاعلام فقط. وان تتجرأ الادارة الامريكية والأمم المتحدة بمحاكمة كل من اصدر قرارا وعلم بأساليب التعذيب والاستجواب الوحشية دون وقفها او اشرف عليها بنفسه او بتكليف منه. اذ ان احترام العدالة يجنب العالم ما هو اخطر من التهرب منها، ويكشف للعالم ان القانون هو الذي يتوجب احترامه حماية للإنسان الذي من اجله وضع القانون ولأجله شرع !.

 

17.12.2014

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

  

  الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4]  | أرشيف المقالات  |  دراسات  |  عمال ونقابات |  فنون وآداب |  كاريكاتير  |  المرأة |  الأطفال | إتصل بنا       

      

لا

للأحتلال

لا

لأقتصاد السوق

لا

لتقسيم العراق

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة

من الكتاب والصحفيين العراقيين   

 

                                                                  

                                                                          

  

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org               الصفحة الرئيسية - 1 -