<%@ Language=JavaScript %> حمزة الحسن دفاعاً عن كتاب

   

لا

للأحتلال

لا

للخصخصة

لا

للفيدرالية

لا

للعولمة والتبعية

 

                                              

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين                    

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                            

 

 

 

دفاعاً عن كتاب

 

حمزة الحسن

 

هذه المرة لم نجد من ندافع عنه غير كتاب، فمن كثرة الباكين حولنا، نسينا من القاتل ومن القتيل.

كل صباح نفتح على الفيس بوك، فنجد حشداً من الباكين حتى ان الدموع تفيض من الحاسوب،
ولم نعد نميز من يبكي على من؟

الشهيد هنا، خائن هناك، والعميل هنا مناضل هناك،
ومن يكافح في سبيل الله هنا، يكافح في من اجل النكاح هناك،
ومن يناضل في هذا الشارع من اجل الديمقراطية، يعتبر كافراً في الشارع المقابل،
والمفخخة هنا من اجل الوطن، وهناك في الحي المقابل من اجل الله،
مع ان الوطن وحيد كيتيم في محطة قطار تحت المطر.

كتاب نوفل الجنابي (الحلة : عاصمة السخرية العراقية وذكرى الساخرين) هو مزيج من الرواية والسيرة والذاكرة والخيال، وليس كتابا وثائقياً، بل هو أقرب الى الرواية منه الى التوثيق، فلا وثيقة غير الذاكرة.

مع ذلك لم يحتمل بعض أهل الحلة الكتاب وقامت الدنيا، قبل وصول الكتاب بعد أن تسربت ثلاث نسخ منه الى الحلة في نوع من الاستطلاع ، وجس النبض وكشف حقول الالغام، رغم ان الكاتب لم يذكر اسم امراة واحدة لكنه ذكر اسماء كثيرة لندماء وشعراء ونقاد، وأصحاب مقاهي ومطربين ودور سينما ومعلمين ورجال سلطة والخ.

لكن بما ان الحلة مثل أية مدينة عراقية لا شيء يمكن أن يبقى فيها سراً، انتشر خبر( الوباء ـــ الكتاب)،
في مجتمع تتحول فيه اساطير المقاهي والوشايات وانصاف الحقائق والاوهام وحالات الخبل والانتقام،
بل ان صيحة أو همسة أو نميمة في حقل معتم بين شخصين تتحول مع الوقت الى " واقعة حقيقية" في خيال وعقول الناس، ويتم دمغ الضحايا وهم في النوم ابرياء، بل هم آخر من يسمع أو يعرف بالطربوش على الرأس،
والجناجل التي تقرع في البيوت والمقاهي، لأن المجني عليه ظلما وبهتانا لا يصدق ان كل زبائن المقهى او النادي أو المدرسة ينهضون احتراما لحضوره، دون أن يعرف المسكين أن ( لجنة) كافكوية حكمت عليه وهو في سرير النوم، وانه متهم بنظر الجميع بلا تهمة حقيقية، او انه قاتل بلا قتيل،
ولص بلا سرقة، وعميل مع انه مطارد ومنبوذ ومشروع شنق.

الجنابي مثل اي منفي حاول ان يلم ويجمع مرحلة حيوية من تاريخ الحلة، منذ منتصف القرن الماضي حتى الاحتلال، الأمكنة والجسور والسينمات والنكات والطرائف والسلطة والسجون والاحزاب،
بلغة عارية وصريحة بعد أن خدع بسنوات النفي الطويلة ان الناس تغيروا تحت النيران والكوارث،
وانه ارخ جزءً منسياً من تاريخ بكل ما فيه من جمال وبهاء ورعب وأحلام ومجانين وشخصيات رائعة ودونية،
بل ان كتابه في الحقيقة صورة مصغرة لتاريخ وطن.

مشكلة الجنابي ليست شخصية بل هي عامة بين المثقفين المنفيين، لأن الذاكرة في المكان الجديد المسمى منفى، بتعبير ايزابيل الليندي تمارس نوعاً من الحيل والخداع، أو ( تمنح فضائل لكل السلبيات) وهي صور من احتيالات الذاكرة، أو نوع من الحنين، لأن الكاتب المنفي لم يتجذر في المكان الجديد وفي الوقت نفسه مقتلع من المكان القديم، مثل جمل صحراوي في القطب الشمالي، أو دب ثلجي في الصحراء، أو نخلة عراقية مقتلعة من الجذور نقلت الى مكان مختلف، كما شاهدت هذا المشهد الصادم في حقل مغطى وبدرجات حرارة خاصة
للزهور والاشجار الغريبة هنا، وكنت كلما دخلت الحقل ارى النخلة ، تحت سقف الزجاج، تكبر كما لو أنني أنظر في مرآة.

هي مشكلة الروائي ميلان كونديرا الذي عاد الى التشيك بعد التحولات السياسية في اوروبا الشرقية،
وهو يعود، سراً، ولا يلتقي مع النخبة الادبية،  بعد نفي نصف قرن تقريبا في باريس،
وفي عزلة حتى عن النخبة الفرنسية المثقفة أيضا ويعيش في الضواحي في منزل ريفي منعزل.

كونديرا جسد خيبة العودة الى التشيك في عبارة شهيرة تقول( حل النصابون محل الايديولوجيا)،
ومثل نوفل الجنابي الذي حاول اعادة تلصيق خرائب وشخصيات وحدائق واشجار وأحلام،
ويعيد صياغة وطن من الذاكرة وتاريخ قبل ان يندثر ويتحول الى انقاض مثل كل شيء،
في وطن يتفسخ على مراحل، كتب ميلان رواية( الجهل) عن عودة مهاجر الى بلده،
لكن مارتين وأرينا صدما بما شاهداه، وقررا العودة الى المنفى،
مع فارق ان نوفل ولى هارباً من شخصياته التي نصفها خيال والنصف الاخر ذاكرة.

هو حلم عودة عوليس في ملحمة هوميروس " الالياذة" ايضا الى أثيكا بعد أن حارب في طروادة من أجل هيلين،
لكنه حتى بعد نهاية الحرب ظل يحلم بأثيكا البلدة التي ولد فيها،
وعاش في المنفى 20 سنة يحلم بالعودة الى الطفولة والتصالح مع الماضي المقتلع،
دون أن يدري أن أهل ايثاكا نسوه تماما،
وعوليس محظوظ رغم عذابات النفي مقارنة مع نوفل الجنابي الذي،
لو لا هذا الكتاب" اللعين" لما تعرف عليه حتى الجيران بعد ربع قرن من الغياب.

المحنة نفسها تكررت مع الروائية التشيلية ايزابيل الليندي التي عادت الى تشيلي بعد سنوات النفي بعد انقلاب ايلول عام 1973 ضد الرئيس الليندي، وهي من سلالة العائلة، وبعد سقوط الدكتاتور عادت الى الوطن بعد حنين جارف وعشرات الروايات، وبعض رواياتها تحدثت عن جنرالات وقتلة وصحف مشتراة وضحايا بالاسماء الحقيقية،
لكن ايزابيل صدمت هي الاخرى مثل كونديرا وعوليس ونوفل، في ان الوطن الذي حلمت به ودافعت عنه،
وعملت على تهريب المطلوبين للموت عبر الحدود في شبكات تهريب، وغامرت بحياتها من اجله،
لم يكن هو الوطن الذي رأته وتمنته وغامرت من اجله، لذلك عادت الى المنفى ــــ الأمريكي ـــ كما تقول ساخرة،
البلد الذي أطاح بسلطة شرعية في انقلاب مأجور ومنظم،
وكتبت ( بلدي المخترع) تقول في خلاصة مركزة ان العيش في وطن متخيل أفضل من العيش في وطن مشوه ومخرب.

لم يسأل أحد كونديرا عن رواياته عن النظام السابق، ولا عن ادانته لصمت النخب والمؤسسات،
ولا عن رفضه المتكرر ترجمة رواياته الى اللغة الأم المكتوبة بالفرنسية، ولم يسأل أحد إيزابيل أيضا عن اسماء القتلة والجنرالات في مؤلفاتها الكثيرة، لأن هؤلاء إما هربوا أو في السجون أو تواروا عن الانظار،
لكن مشكلة الجنابي أكبر من كتاب وحلة وسيرة أشخاص:

نوفل الجنابي مثل اي مثقف عربي يعتقد ان انهيار سلطة سياسية، يعني زوال كل منظومات القمع،
دون ربط عميق بين السلطة السياسية والاجتماعية، وكيف يتم تبادل الادوار ويعاد أنتاج الرعب،
فذهب، فرحاً، بعد ان سرّب نسخاً من كتابه كهدية لأبناء اثيكا العراقية، في باخرة هندية يستعجل الوصول،
رغم شوق الانتظار، دون أن يعرف ان أهالي الحلة ومدن العراق ليسوا مثل أهالي سانتياغو في تشيلي،
ولا براغ في التشيك، وليسوا هم أهالي أثيكا ايضا الذين نسوا عوليس الذي عاش عشرين سنة نفي يحلم بهم،
وانهم على استعداد للنوم حتى بعد اقتراب البرابرة، لكنهم يحتشدون في الميدان في انتظار عوليس الحلاوي،
القادم من المنفى، بالسواطير والمقالع والهراوات وغيرها، دون أن يميز بين وجوه عالم الأمس أو اليوم،
لأن الأزياء والرموز والشعارات تغيرت، عقاباً له على ذاكرة ترفض النسيان،
فعاد ، هارباً، ليس مثل ايزابيل ولا كونديرا ولا وعوليس اليوناني المنسي. هل هي محنة كتاب أم محنة وطن؟
محنة سلطة أم لغة؟

رغم كل الاعتراف بشجاعة الكاتب وجماليات الكتاب، لكن نوفل الجنابي يستحق هذه المطاردة،
لأنه صدق، تحت الحنين والشوق، ان سقوط نظام يعني سقوط عقلية.

 

حمزة الحسن

18.10.2014

https://www.facebook.com/hmst.alhasn/posts/10152506860247266

 

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا