<%@ Language=JavaScript %> حمزة الحسن وطن أم علبة صفيح؟

 

 

وطن أم علبة صفيح؟

 

 

حمزة الحسن

 

كلما غضب سياسي عراقي، هدد بفتح أبواب جهنم، مع ان جهنم العراقية مفتوحة الابواب منذ عشرات السنين، بل منذ قرون، كما لو ان هذا ليس وطنا بل علبة صفيح، أو كازينو قمار أو بيوت مكعبات في الروضة، أو زبائن حانة يهددهم معتوه بالحرق.

كان الدكتاتور السابق يردد بما يشبه النشيد الوطني ان الذي يستلم العراق، يستلم أرضاً بلا شعب،
وهو التهديد الأقرب الى الواقع اليوم، وكان المالكي قد هدد قبل شهور بفتح أبواب جهنم،
كما لو ان العراقي يعيش في فردوس وليس في جحيم من صنع بشر، وفي الاسبوع الماضي هدد صالح المطلك ، نموذج لسياسي عصر الانحطاط، هدد بإعلان قيامة تطيح بالجميع، ولا ندري ما هو تعريف هذا الحدائقي للقيامة، وهي قائمة ومستمرة؟

هل كان هؤلاء وغيرهم يجرؤون بهذه الوقاحة وهذا الاحتقار لحياة الناس على قول نصف أو ربع أو حتى التلميح بمثل هذا الكلام، والتهديد بقتل الناس أو فتح أبواب جهنم أو أعلان القيامة، في دول ديمقراطية دون أن يتم القبض عليهم ووضعهم في مصحات عقلية ويُحجر عليهم خلف أبواب مغلقة؟

غالبية الساسة العرب في السلطة (وفي بعض الاحيان في المعارضة لأن السلطة تخلق نموذجها المعارض على صورتها في الاساليب وفي الخسة وفي المكر والحيل والمناورات والكذب على الذات والآخرين) لا يحتاجون الى التحليل السياسي بل الى التحليل النفسي السريري كما قام به الباحث موريال ميراك في كتابه( مهووسون في السلطة)، في تحليل شخصيات زعماء عرب سقطوا في السنوات الاخيرة:

يشير الباحث ان هؤلاء جميعا يعانون من انفصام عن الواقع، والتعامل مع السلطة كغنيمة وعقار ومُلكية شخصية، وانكار أية معارضة ووصفها بالخيانة أو التآمر لأن هذا هو السلوك السائد بينهم،
والتهديد بالطوفان والحرب الاهلية اذا أُجبروا على ترك السلطة. بن علي، مبارك، القذافي، علي صالح،
هؤلاء جميعا هددوا بالفوضى من بعدهم، وأعلنوا ان ما يجري هو دسائس من الخارج ومن عملاء محليين، كما لو ان سلطتهم لعشرات السنوات كانت مثالية تماما، والأغرب انهم، في ذروة الأزمات، كانوا مشغولين بالحياة الخاصة في نوع من عدم تصديق ما يجري او كما يُسمى حالة انكار:

القذافي في أول اجتماع بعد اندلاع الاعمال المسلحة ضده عقد اجتماعا للمجلس الامني المصغر لأربع ساعات، استهلك عشرين دقيقة منها، حسب الصحافي روبرت فيسك، في الكلام عن رغبته في عملية( شد الوجه) أي تجميل الوجه، وهذا يعني ان تجميل وجه الزعيم، وليس وجه النظام أو الاصلاحات الحقيقية،
هو ما يشغل الزعيم المصاب بهستيريا عشق الذات المرضي، وطريقة فهمه لتجديد السلطة والمجتمع والدولة.

مبارك، بن علي، القذافي، علي صالح، حتى اليوم الأخير درجوا على عادة صبغ الشعر ومساحيق التجميل لاخفاء الجلود المجعدة، بل ان علي صالح، أو هاملت اليمن، اجرى عملية تجميل للوجه في السعودية بعد تعرضه للاغتيال، لكنه ترك وجه النظام كما هو، لأن عشق السلطة المرضي يختزل الوطن بوجه الرئيس.

حسب شهادة الدكتور واخصائي التجميل الفنان علاء بشير ان إحدى بنات الدكتاتور ونساء قريبات من الأسرة طلبن مواعيد لتجميل الوجه ، قبل الحرب عام2003 باسبوع أو أكثر، في حين كانت الحشود العسكرية على الحدود والاساطيل البحرية تستعد والقواعد الجوية جاهزة للعمل.

العلاقة بين عمليات تجميل الوجه في الأسر الحاكمة، تحت التهديد والخطر والحرب، وبين" وجه النظام" المتهالك والقبيح، تحتاج الى دراسة معمقة من باحثين وخبراء علم النفس، كما تحتاج الى روائيين لتجسيد حالة إنكار الواقع بالهروب الى الأمام.

علي صالح خبير الدسائس والحيل والمراوغة، كما يصفه الباحث، كان أشبه بشخصيات شكسبيرية مثل هاملت الذي ظل وحيدا في العراء وهو متشبث بالنصر، لكنه اقرب الى شخصية شكسبير ريتشارد الثالث الذي خسر الحرب، بل حتى حصانه، ومع ذلك وقف على قارعة الطريق يستجدي حصانا لاستعادة السلطة قائلاً:
( مُلكي مقابل حصان)، في نوع من التشبث المرضي بالسلطة حتى بعد ان خسر كل شيء.

حسني مبارك اختار بعد السقوط( الانتحار النفسي) بالحضور الى المحكمة محمولاً على نقالة في نوع من انكار الواقع، لأن المشي على القدمين يعني الاعتراف بالواقع الجديد،  كما ليس من صفات آخر الفراعنة المثول أمام المحكمة بتهمة السرقة والقتل.

هل يستطيع هؤلاء في بلد يضم نخبة سياسية ناضجة وسلطة ثقافية رصينة بتقاليد واعراف واضحة متجددة ــــ وليس أخلاقيات التمادح المتبادل ــــ وتقاليد حكم عادلة وحقيقية، ومحكمة عليا مستقلة،
ومصحات عقلية حديثة مستعدة لحجر هؤلاء ما أن يهددوا بحرق البلاد بهذه السفاهة، هل يستطيع هؤلاء القيام بهذا التهديد المفتوح بالقتل الجماعي لو لم يكونوا أمام جمهور صامت بل غير مبال، كما لو انه امام مسرح للجنون، وليس أمام وعد مباشر بالقتل؟

هل هي أزمة خطاب أم أزمة وعي؟
وما الفارق بين صفقة ريتشارد الثالث( مُلكي مقابل حصان)، وبين صفقة أنا أو جهنم أو القيامة،
إما السلطة أو: أرض بلا شعب؟

حمزة الحسن

 

 

06.12.2014

 

https://www.facebook.com/hmst.alhasn/posts/10152602158992266

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

  

  الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4]  | أرشيف المقالات  |  دراسات  |  عمال ونقابات |  فنون وآداب |  كاريكاتير  |  المرأة |  الأطفال | إتصل بنا       

      

لا

للأحتلال

لا

لأقتصاد السوق

لا

لتقسيم العراق

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة

من الكتاب والصحفيين العراقيين   

 

                                                                  

                                                                             

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org               الصفحة الرئيسية - 1 -