<%@ Language=JavaScript %> خالد المزيني فشل الرشوة في الخليج: «الحرية لا تباع»
   

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين          

 

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                        

 
 

 

 

لا

للأحتلال

 

 

 

فشل الرشوة في الخليج: «الحرية لا تباع»

 


خالد المزيني
 

ما زال مواطنو دول الخليج في القرن الحادي والعشرين يعيشون في بيئة مشابهة لتلك التي عاشها العرب قبل اكثر من ثمانمئة عام، رغم كل التغير الذي طرأ على مجتمعاتهم، وبشكل خاص في فترة ازدهر فيها الشعر العربي، وشعر المديح بالذات الذي جعل من ابي الطيب المتنبي من أهم شعرائه، وذلك في مدحه لأمراء الدولة العباسية في ذاك الوقت وبشكل خاص لسيف الدولة الحمداني، حيث كان المتنبي يتقاضى الكثير من المال مقابل كل قصيدة يلقيها. ربما أتخذ المتنبي من الشعر وسيلة للحصول على المال. ولكن في زمننا هذا ما زال الكثير من العرب، وبخاصة في دول الخليج يستخدمون الشعر للوصول الى الحاكم ومدحه، كي يعطيهم بعضاً من ممتلكات الأرض وما عليها.
نحن لا نختلف حول أهمية المتنبي كشاعر وليس بشخصيات تلك الفترة، ولكن العبرة هي حالة الدنو والعلو، أن تسلب كرامة الشخص في تدنيه للأمير أو الملك من أجل المال، أو قول بعض من الكلام والشعر من أجل لقمة العيش والمسكن. بالرغم من أنه تفصلنا مئات السنوات بين عصر المتبي والقرن الحادي والعشرين، ولكن لن اكون مبالغاً في حالة التشابه هنا.
ولن أكون مبالغاً أيضاً ان أقول إن سكان دول الخليج يعيشون نظاماً يمكن تشبيهه بنظام القرون الوسطى في اوروبا، حيث يعتمد النظام السياسي المتمثل بالعائلة الحاكمة التي تملك الأرض وما عليها، على توزيع هذه الثروات على المخلصين والمطيعين لهم. ويستمد شرعيته عن طريق توزيعه لثروات شعبه عليهم. وبذلك يتم استعبادهم، وكلما زاد الاخلاص للحاكم، جنيت الكثير من المال والمكانه الاجتماعية.
وبالمعنى الحديث، فقد نجحت دول الخليح على مدى السنوات الماضية بخلق أنظمة سياسية لها خصوصية مختلفة نوعاً ما عن الدول العربية الأخرى، وهذه الخصوصية تكمن في تكوين وتشكيل اقتصاديات تعتمد على النفط كمصدر رئيسي للدخل، حتى وإن قل الاعتماد عليه في بعض من هذه الدول، فإن النفط لا يزال يشكل أهمية كبيرة في اقتصاديات دول الخليج. ولكن توزيع عائدات النفط على الشعب كان له تأثير ايجابي على الاستقرار السياسي والاجتماعي لهذه الدول في السنوات الماضية، وكما كانت له أيضاً سلبيات كثيرة، منها خلق مجتمعات معتمدة على حكوماتها في جميع القطاعات والجوانب الاجتماعية والاقتصادية، أي مجتمعات غير منتجه.
يبشر ربيع الثورات العربية بإطلاق شرارة البداية لنهاية العقلية الريعية التي خلقتها هذه الانظمة. ولكي نفهم كيف بدأت هذه العقلية الريعية بالانهيار يجب توضيحها وتفسير معناها في خضم التغيرات والتحركات الشعبية دول الخليج والدول العربية الأخرى. وأيضاً ما هي اهم المؤشرات التي تدل على هذه التغييرات في العقلية الريعية.
العقلية الريعية، بصورة مباشرة او غير مباشرة، فسرها الكثير من المفكرين، منهم ابن خلدون وميشيل فوكو وحسين مهداوي والمفكر العربي محمد عابد الجابري في نقده للعقلية العربية وحول كيفية العلاقة بين الراعي والرعية. الطبيعة الصحرواية لأغلب الدول العربية فرضت مثالاً يوضح كيفية هذه العلاقة بين الراعي وقطيعه، حيث تشير «العقلية الريعية»، الى أن الراعي «يعمل على تدبير الطعام لقطيعه بينما قطيعه نائم لا ينتج، والراعي يسهر على حماية الرعية ولا يغفل عنها، وإذا اقتضى الأمر يستخدم القوة لحمايتها». وهذا تماماً ما يحصل وحصل في السنوات الماضية في دول الخليج العربي، حيث عملت الحكومات على توزيع عائدات النفط على الشعوب وزيادة مميزات المواطنة ودخل الأفراد حين يتطلب الأمر، وذلك مقابل الانصياع للراعي وعدم التدخل في شؤون توزيع عائدات النفط. ليس هذا فحسب ولكن كبت حريات هذه الشعوب كي لا تعمل على كسر هذه القاعدة.
للأسف نجحت الحكومات الخليجية في السنوات الماضية في السيطرة على سلوك الأفراد الإنتاجي وخلق وظائف لا تحتاج إلى جهد عقلي ولا حتى جسدي، حيث أدى ذلك إلى جعل هذه المجتمعات مستهلكة فقط كقطيع الأغنام. وهذا بعكس الدول التي لا تعتمد على الاقتصاد الريعي، فقد نجحت في تأسييس مجتمعات تأكل مما تنتج وتفكر في تطوير انتاجياتها بنفسها من دون الاعتماد على الغير.
وفي خضم رياح التغيير في الوطن العربي، بدأت أغلب هذه الدول، وبخاصة دول الخليج، بزيادت مدخول مواطنيها والنظر الى مشاكلهم بجدية أكثر، وبدأت اصلاحات سياسية واقتصادية، وإن اختلف الوضع من دولة الى اخرى، ولكن حكام الخليج يراودهم خوف شديد، ففي المملكة السعودية اصدر النظام قرارا بصرف اكثر من ثلاثين مليار دولار، منها زيادة في الرواتب وتأمين المساكن وبناء بنية تحتية افضل في المناطق التي تم تجاهلها في السنوات الماضية، وخاصة المناطق الشيعية. وفي عمان اقر السلطان قابوس زيادة مئة بالمئة على الرواتب، وفي دولة الامارات تم دعم الامارات الصغيرة ذات الدخل المحدود والضعيفه، وصرف اكثر من سبعة مليارت في تحسين البنى التحتية لها، وفي البحرين تم صرف الكثير من المميزات، حتى ان مجلس التعاون الخليجي دفع اكثر من عشرة مليارات كمساعدات للحكومة البحرينية كي تسيطر وتنهي حالة الغليان الداخلية، وكذالك الوضع في الكويت وقطر. وهناك الكثير من هذه الأمثلة في الدول العربية الأخرى ذات الاقتصاديات شبه الريعية. ان الإصلاحات الاقتصادية والسياسية لا تبدأ بإعطاء هذه الشعوب مال ريعياً، ولكن بإحداث تغيير جذري وحقيقي في أسس الحكم والسياسة والاقتصاد. وعلى رأس هذا التغيير يجب ان تكون الحرية النافذة الأولى لاستقرار الحال.
المثير للانتباه ان هذه الشعوب رفضت كل هذه المميزات المالية، ورفضت ان تشترى حرياتها بالمال.
إن الثورة التونسية والثورة المصرية أيقظتا سكان دول الخليج، للوقوف ضد استبدادية حكامها، ولكن أيضاً من الطريقة التي تعامل هذه الدول شعوبها. أيقظت فيهم ان الحرية أجمل من المال والرفاهية، الحرية التي لا تقدر بثمن ولا تشترى.

([)
اكاديمي ـ جامعة كامبردج ـ بريطانيا

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany

 

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا