<%@ Language=JavaScript %> د. لبيب قمحاوي الأردن و الإصلاح : الوطن أولاً
   

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين          

 

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                        

 
 

 

 

لا

للأحتلال

 

 

 

الأردن و الإصلاح : الوطن أولاً

 

بقلم: د. لبيب قمحاوي

التاريخ: 11/4/2011

lkamhawi@cessco.com.jo

 

      المثل الشعبي يقول " صحيح لا تقسم ، ومقسوم لا تأكل ، و كل حتى تشبع " و هذا هو واقع حال النظام في الأردن في تعامله مع الإصلاح السياسي . فالأصل يكمن في النية ، وإذا لم تتوفر النية في الإصلاح لدى صانع القرار ، فإنّ ذلك يعني ، بالضرورة ، حتمية انتقال ديناميكية التغيير ، ولو تدريجياً ، من حوار هادئ في القاعات إلى حوار صاخب في الشارع . و في هذا السياق ، قد ينجح النظام في مسعاه لاحتواء أو تنفيس الغضب الشعبي و لكنه لن ينجح أبداً في وأد المطالبة الشعبية بالإصلاح .

      لقد لاحظنا ، و دون أي شك ، بأن الجهد المبذول من قبل النظام ، في وضع العراقيل أمام التغيير الحقيقي ، وفي رسم الخطط لإجهاض حركة الشارع و تفريغها من محتواها و من زخمها ، يفوق بكثير الجهد اللازم المطلوب للبدء في عملية الإصلاح الحقيقي ، اللهم إلا إذا أخذنا البعد الفردي الذاتي للحاكم الذي زيّن له البعض بأنه هو البداية و هو النهاية و أنّ الوطن هو في خدمته و ليس العكس .  

      لقد تكلمنا مراراً و تكراراً عن خطورة إرسال الإشارات الخطأ إلى الحاكم لأن ذلك سوف يساهم في اتخاذ القرار الخطأ من قبل هذا الحاكم أو ذاك . من المفهوم بل و من الطبيعي أن يكون هنالك  تفاوتاً في مطالب الإصلاح . فهذا من طبيعة الأمور في أي تحرك ديمقراطي . و لكن ما لا يمكن فهمه خروج البعض في تظاهرات ضد الإصلاح . من يتظاهر ضد الإصلاح ؟ من هو الذي لا يريد الإصلاح ؟ من هو الذي يريد بقاء الظلم و التسلط و التمييز و الفساد و حرمان المواطن من حقوقه وإعطائها إلى فئة من الفاسدين و المتنفذين ؟ من يريد بقاء ذلك ؟ وحتى و لو كان مدفوعاً بأجر أو مرغماً على التظاهر ضد الإصلاح أو التوقيع على وثيقة ما ضد الإصلاح، فإن ذلك من شأنه ، في أحسن الأحوال ، أن يضع الحاكم في موقع اتخاذ القرار الخاطئ و يشجعه على ارتكاب العنف ضد المطالبين بالإصلاح باعتبارهم مارقين على الإجماع الموهوم المتمثل برفض الإصلاح و بقاء الظلم و الفساد .   

      إنّ الدعوة إلى الإصلاح السياسي و الدستوري عوضاً عن المطالبة بتغيير النظام لا تعكس إجماعاً وطنياً على بقاء النظام بأي ثمن ، بقدر ما تعكس رغبة أكيدة في الإصلاح الحقيقي الفعّال دون الخوض في المجهول . فالإجماع الحقيقي هو ضد المجهول . و المجهول في الأردن صناعة محلية خالصة ابتكرها النظام و مؤسساته حتى يخيف المواطنين و يحد من الرغبة الوطنية في التغيير الشامل و تقليص تلك الرغبة إلى الحد الأدنى التي يستطيع النظام قبولها و التعايش معها . ففي حقيقة الأمر لا يوجد أي خلاف حقيقي بين الأردنيين فيما بينهم . فهذا الشعب البطل الصامد الذي حَمَلَ الكثير و تَحَمَّل الكثير لا يمكن أن ينغمس في صغائر الأمور . ومحاولات بعض الأجهزة إطلاق فَزَّّاعة الحرب الأهلية كوسيلة لشل مطالب التغيير الديمقراطي و تحويل مسار الإصلاح باتجاه الحائط يجب التصدي لها من قبل الجميع و العمل على إفشالها لأن في ذلك فقط طوق النجاة لثورة الإصلاح الشامل . كما أن اللعب بالنار من خلال استعمال الحكم للوحدة الوطنية كسلاح و التهديد بتدميرها كوسيلة لمنع الإصلاح الشامل هي نهج خطير و يعكس أنانية الحكم المطلقة و التي تضع الوطن في خدمة الحاكم عوضاً عن وضع مصلحة الوطن فوق الجميع .

        كلنا أردنيون وكلنا متفقون على ثوابت الوطن ، و الحديث عن أن الديمقراطية سوف تؤدي إلى السيطرة العددية لفئة ما على مؤسسات الدولة هو كلام فارغ . فالأردنيون ، بغض النظر عن أصولهم ، ليسوا كَمَّاً سياسياً واحداً أو متجانساً . فالعديد من الأردنيين من أصول فلسطينية و أصول شرق أردنية هم ، سواء بسواء ، جزء من مؤسسة الفساد المالي و السياسي و هم بالتالي أعداء طبيعيين للإصلاح و التغيير ، تماماً كما أن هنالك العديد من الأردنيين من أصول فلسطينية وشرق أردنية مناضلين و مسحوقين و مظلومين و ضحايا لحقبة الفساد المالي و السياسي . إذاً أين تكمن المشكلة ؟ نحن لا نتكلم عن أغلبية عددية و لكن عن أغلبية سياسية تمثل رأياً و موقفاً سياسياً و لا تمثل مجموعة عرقية أو قبلية غير متجانسة سياسياً . إنّ الذكاء السياسي يتطلب منا جميعاً أن نقف صفاً واحداً ضد محاولات النظام لخلق حالة من الفوضى و الشك المتبادل و الانقسام الشعبي المبني على أوهام لا أساس لها بهدف إحباط المطالب الشعبية بالإصلاح السياسي و الدستوري الشامل .

       إنّ مشكلة الشعب الأردني ليست بين بعضهم البعض ، و لكن مع النظام . و يبدو أن النظام قد التقط الإشارات الخطأ و اعتَقَدَ أنه في موقع لا يمكن الاستغناء عنه على الإطلاق باعتبار أن لا بديل له . و هنا يكمن الخطأ الذي وقعت فيه العديد من الأنظمة الأخرى و التي اعتقد أصحابها بأن أنظمتهم خالدة مخلدة إلى الأبد و أنها محط الإجماع الوطني و القبول الشعبي الدائم مهما فعلت ، و كانت النتيجة أنْ دفعت تلك الأنظمة ثمناً غالياً مقابل ذلك الاعتقاد الخاطئ .

      و على هذا الأساس ، فإن مؤسسات النظام يجب أن تكون واعية لهذه الحقيقة . فالنظام ليس في وضع يمكنه من المناورة العكسية بلا حدود و بطريقة يتجنب من خلالها الإصلاح الدستوري الحقيقي لصالح إصلاحات شكلية . فالإجماع ، على ما يبدو ، هو على تجنب الخوض في المجهول و ليس على بقاء النظام بعلاَّته . و الحل الوسط بين الاثنين هو في نظام نيابي ملكي دستوري يعطي كل ذي حق حقه و يحترم أساس العلاقة التعاقدية بين الحاكم و المحكوم كما وُضِعَ أساسها في دستور عام 1952 . و إذا كان هنالك من يرفض العودة إلى ذلك الدستور ، فعليه واجب إيضاح الأسباب التي تجعله يرفض دستور الأمة وأساس الشرعية و الناظم للعلاقة بين الحكم و الشعب و الحامي لمبدأ فصل السلطات .

       لا أحد يريد تعنتاً أو تشنجاً في المواقف يدفع بالأحداث إلى مستوى جديد تصبح فيه المطالبة بالعودة إلى دستور 1952 جزءاً من مطالب الماضي . و حتى لا نصل إلى تلك المرحلة، فإنّ الشعب يبقى هو صاحب الحق في المطالبة بالعودة إلى دستور عام 1952 نظيفاً خالياً من التعديلات التي طرأت عليه و أخلت بمبدأ الفصل بين السلطات ، و حولت السلطة التنفيذية من سلطة إلى أداة و أفقدت مجلس النواب دوره الرقابي و التشريعي مما فتح الباب على مصراعيه أمام الفساد و المفسدين . و هكذا ، فإنّ الاستمرار في تجاهل الدعوة الأصلية المطالبة بالعودة إلى دستور عام 1952 ، بل و محاربتها من قبل مؤسسات الحكم ، إنما يعكس غياب أي نوايا حقيقية لدى السلطة للإصلاح . وما تشكيل لجنة الحوار الوطني إلا جزء من سياسة الحكم في إعطاء تنازلات شكلية و محاولة لكسب الوقت تمهيداً لإفراغ الحركة الشعبية المطالبة بالإصلاح السياسي الشامل من مضمونها و اختصارها من مفهوم شامل للإصلاح إلى معالجة جزئية لقانون من هنا وقانون من هناك ضمن رؤيا مسبقة الصنع من قبل مؤسسة الحكم. إن هذه اللجنة هي وسيلة و أداة لتنفيس الاحتقان وإضعاف الزخم الشعبي نحو التغيير واستبدال الكل بالجزء ضمن مرجعية حكومية تفتقر إلى المصداقية و ضمن جدول أعمال يسمح لها بمناقشة ما تريده الحكومة فقط و يمنعها من مناقشة باقي القضايا التي تهم المواطن . فهي بذلك تكون كشاهد الزور ، و لكن على مستوى الوطن الأردني ، انطلاقاً من مفهوم و منطق عدالة الظلم التي يكون فيها الجلاد هو القاضي و هو المرجعية .    

       الشعب يريد ، ببساطة ، دستور عام 1952 دون تعديلات . و هذا حق الشعب على الحكم، فبأي صفة يمنع الحكم الشعب من المطالبة بحقوقه ؟ و بأي صفة يضع الحكم ما يريده في كفة و ما يريده الشعب في كفة أخرى ؟؟ لا أحد يدعو إلى المساس بصلاحيات الملك الدستورية ، بل على العكس ندعو إلى تأكيدها و تكريسها كما وردت في دستور عام 1952 ، تماماً كما ندعو إلى إعادة الصلاحيات المسلوبة للسلطات التشريعية و التنفيذية و القضائية و كما وردت في دستور عام 1952 أيضاً . الشعب يريد إعادة الأمور إلى نصابها الأصلي و الصحيح . و ما كان عظيماً و مناسباً لملك الأردن و شعب الأردن عام 1952 يجب أن يكون نفسه عظيماً و مناسباً لملك الأردن و شعب الأردن عام 2011 .

 

 

جريدة القدس العربي- لندن - الإثنين الموافق 11-04-2011  



 

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany

 

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا