إن الإستعمار الذي تجابهه الشعوب المكافحة  في سبيل انعتاقها، عدو جبار  وعنيد  يمثل الرأسمالية العالمية المتشابكة مصالحها ومؤسساتها المالية، عدو مسلح من  أسفله إلى قمته، عدو لا تفيد معه اساليب  النضال القديمة، ولا يفيد معه الصراخ والعويل والمطالبة بالحق

  الرفيق الخالد فهد

 

صوت اليسار العراقي

تصدرها مجموعة من الكتاب العراقيين

webmaster@saotaliassar.org    للمراسلة

 الصفحة الرئيسية | مقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | أرشيف الأخبار | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

  

 
 
الخطاب الليبرالي عندما يلغي الواقع

سلام السعدي

كان لانهيار التجربة الاشتراكية في بداية تسعينات القرن المنصرم تأثيراً واسعاً ومدوياً، وحيث تعززت مواقع السيطرة الطبقية للنظام الرأسمالي في العالم فقد رافق ذلك انتشار مضطرد للفكر الليبرالي المنتشي بهذا الانهيار،

  ليعلن  انتصاره النهائي، وتسيده ساحة الفكر في العالم ابتداءً من هذه اللحظة والى الأبد!!

ومع التواجد الأمريكي المكثف في الوطن العربي، خصوصاً بعد غزو العراق عام 2003، امتد الخطاب الليبرالي وانتشر كالنار في هشيم فئة المثقفين، خصوصاً أن الهدف التضليلي المعلن للغزو الامريكي كان" نشر الديمقراطية" ، و"تحرير الشعب من الديكتاتورية"، وهو ما دغدغ عقول ومصالح بعض المثقفين سواء الليبراليين منهم، او حتى اليساريين، الذين وبعجالة شديدة أعلنوا قيامهم بعملية "النقد الذاتي"، حتى يتسنى لهم اعتناق الدين الليبرالي الجديد.


وليصبح الرهان على الولايات المتحدة الأمريكية، ومشروعها "الديمقراطي" في الوطن العربي، هو نقطة انطلاق الخطاب السياسي لليبراليين العرب، ومواقفهم من مجمل القوى والأحداث السياسية التي حدثت في المنطقة (العملية السياسية في العراق وفي لبنان، دول الاعتدال ودول الممانعة، حرب تموز، حرب غزة.... )

وسأتناول هنا بالتحليل سياسات ومواقف فئة محددة من المثقفين الليبراليين، وأقصد تلك الفئة التي من المفترض أن "لا ناقة لها ولا جمل" فيما تؤيد من سياسات، والتي من الممكن تصنيفها في خانة "الخطأ المعرفي".

فلقد انطلقت هذه الفئة من ضرورة حقن المجتمع العربي "المريض" بالقيم البرجوازية الغربية لإحداث التغيير المنشود، وهو ما يشكل "الترياق" الضروري لبناء قاعدة المجتمعات الحديثة، فهكذا يكون الحل، ويتحدد المخرج مما هو قائم.


وأمام حالة الاغتراب السياسي والثقافي الحاد التي تعيشها هذه الفئة في العلاقة مع شعوبها، وأمام شعورها المتفاقم بحالة العجز التام أمام أنظمة الحكم الدكتاتورية (وهو عجز مضاعف بسبب إسقاط دور الطبقات الشعبية من المعادلة)، كل هذا استدعى فرضية أخرى من قبلهم، تعتقد بإمكانية أن يقوم المحتل نفسه بحقن ترياق الحداثة والديمقراطية في الجسد العربي الواهن!!، وما كان من هذه الفرضية "الوهم" إلا أن حكمت سلوكهم السياسي، فباتوا يرون في هزيمة المقاومة ذات الصبغة الدينية والطائفية (المنافية للحداثة)، وبالتالي الهيمنة الغربية بالمقابل (مخترعة الحداثة)، يرون بذلك الحجر الأساس في بناء وتحديث المجتمع العربي المتأخر، وهذا ما يفسر مصالحة هذه الفئة مع الاحتلال، أوعلى الأقل عدم مناصبته العداء(الموقف من الاحتلال الأمريكي للعراق، من حرب تموز، حرب غزة..) ولكي تخفف من اغترابها، وقطيعتها الحاصلة مع شعوبها راحت تخترع له مسميات مختلفة، (دول التحالف- الوجود الأمريكي بالعراق) ، وذلك كمحاولة لـ"اختراع" جانب ما مضيء لوجود الاحتلال، وهو ما يفسر أيضاً صمتها المريب، وأحياناً دفاعها عن دول "الاعتدال"، فلا مشكلة هنا بالنسبة للمثقف الليبرالي مع هذه الأنظمة "المعتدلة"، حتى لو أن "اعتدالها" مع المحتل، لم ينسحب كاعتدال مماثل على شعوب هذه الأنظمة، وهذا ما يوسع الهوة بالطبع بين هذه الفئة من المثقفين والشعوب، وهي التي تنادي بالديمقراطية مع المحتل، على حساب الديمقراطية مع الشعوب، فسقط خطابها "الديمقراطي الحر"، سقوطاً حراً دفعة واحدة وعلى الملأ، فهو لم يكن يوماً خطاباً "ديمقراطياً خالصاً"، فبالإضافة لما تخلله من "شوائب ديكتاتورية" للمحتل تارة و للأنظمة تارة أخرى، فقد تخلله أيضاً "الديكتاتورية الذهنية" لهؤلاء المثقفين.


المشكلة التي لا يراها هؤلاء الليبراليون في خطابهم "الديمقراطي"، أنه خطاب مثالي يقترح طريقاً مستحيلاً، غير ممكن في هذا الواقع المفعم بالتناقضات، وهذا الاقتراح قائم على عدم فهم مفاعيل الهيمنة الامبريالية على العالم وعلى الوطن العربي، هذه الهيمنة التي عملت تاريخياً على لجم أي تحديث حقيقي للمجتمع العربي، بل عملت على تعميق واستمرار التأخر التاريخي عبر تكريس علاقات التبعية بمختلف أشكالها، والتاريخ يشير إلى تجارب تلك الدول (ونفس الفئة من المثقفين كانت تقبع هناك) التي أرادت الخروج من التخلف والقيام بعملية التحديث والتنمية عبر التعاون مع الغرب، فما كان إلا أن تقهقر بعضها إلى مراحل كان قد اجتازها منذ زمن، وغرق في بحر المديونية والفقر والبطالة الذي لا قرار له، و في أحسن أحوال بعض الدول، ارتفعت "أرقام" النمو والاستثمار فيها، لكن هذه "الأرقام"، بقيت أرقاماً صماء، فيما استمر التخلف كواقع اقتصادي اجتماعي ثقافي .


وكذلك يشير التاريخ إلى أن تجارب التنمية الحقيقية والناجحة في بلدان العالم الثالث كانت اما بالضد من مجمل النمط الرأسمالي مثل روسيا والصين ودول أخرى، أو على أقل تقدير كانت مخالفة للتعاليم السماوية للسوق المفتوح، بحيث  كان للدولة دور مركزي وأساسي في تحقيق التنمية، ولمن لا يعلم فإن ذلك ينطبق حتى على تجربة اليابان وكوريا الجنوبية المثالين الأكثر شيوعاً و اللذان يحتلان مكانة خاصة في قلوب الليبراليين الكبيرة(يمكن مراجعة سمير أمين في ذلك)، وآخر هذه التجارب كانت في بوليفيا حيث يحكم اليسار، فقد اعترف «مركز الأبحاث السياسية والاقتصادية» (CERP) في واشنطن، في التقرير الصادر عنه والمعنون بـ «بوليفيا: الاقتصاد في ظل إدارة موراليس» اعترف بنمو الاقتصاد البوليفي بمعدل 5.2 سنوياً، خلال السنوات الأربع الفائتة، وهو النمو الأعلى والأسرع منذ ثلاثين عاماً، ويعود ذلك وفقاً للتقرير الى زيادة حصة الدولة من عائدات «الهيدروكربون»، بعد أن ألغى موراليس خصخصتها في بدايات حكمه مؤكداً على أن الشعب البوليفي هو الأحق بالاستفادة من أرباح صادرات الغاز الطبيعي، لا الشركات الأجنبية.


المشكلة إذاً بالنسبة للمحاكمات الليبرالية للواقع تكمن في المنطق الشكلي، وهو المنطق الذي لا ينفذ الى خبايا وجوهر الظواهر، فيبقى على السطح يتأبط به كالطفل، يرفض التاريخ، ويلغي الواقع المادي، ثم يتعامل مع السياسة بكثير من السذاجة والتبسيط،،  كيف لا، وهو لا يفهم من السياسة إلا أنها "فن الممكن"، و"الممكن" لديه إنما يعود إلى اللحظة الساكنة، لا إلى حركة الواقع المتغير، فعندما تتحول السياسة من صراع مادي تاريخي، إلى مجرد كلمة فارغة مرفقة بتعريف فني، سيزول الجوهر، و يزول التعقيد الذي يرافقه، ليتسيد ساحة العقل  كل من السطحية  والاختزال  والوهم .


هذا المنطق الشكلي للمثقفين الليبراليين، أودى بهم إلى استنتاج طريق التطور "الممكن"، وهو  التعاون مع الغرب "الديمقراطي"، لتعميم "النظام الأمثل"،الذي هو بالطبع النظام الرأسمالي الديمقراطي ، لكن مشكلتهم "العويصة" أن الشعوب بحسها السليم، ترفض هذا الاقتراح، فهي  تدرك أنها هي بالذات، ضحية هذا "النظام الأمثل

 

السبت, 30 كانون ثان 2010

 الافق الاشتراكي

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

______________________________________________________________
 
الصفحة الرئيسية | مقالات | دراسات | عمال ونقابات | كتابات حرّة | فنون وآداب | طلبة وشباب | المرأة | الأطفال | إتصل بنا
 
 
جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي