Untitled Document

 الصفحة الرئيسية | مقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | أرشيف الأخبار | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

 

كتابات حرّة

صوت اليسار العراقي

 

تصدرها مجموعة من الكتاب العراقيين

webmaster@saotaliassar.org    للمراسلة

 

أزمة الماركسية

 

د. عدنان عويّد

 
قبل الدخول في هذا الموضوع, دعونا نشير أولاً, إلى مسألة أساسية وهي, أن الماركسية لا تعني الاشتراكية, والاشتراكية ما هي إلا قضية من قضاياها العملية في مرحلة تاريخية محددة تكون فيها قوى وعلاقات الإنتاج قد وصلت إلى مرحلة تاريخية تسمح بطرح هذه القضية . كما علينا ثانياً, أن نصحح بعض المقولات أو المفاهيم التي أصبحت دارجة وبخاصة بعد انتهاء الحرب الباردة, مثل : المذهب الماركسي»

 

و «غياب الصفة العلمية للماركسية», والماركسية « أصبحت إطاراً أيديولوجياً تقليدياً», وغيرها من المفاهيم التي برأيي, هي بحاجة ماسة إلى التوضيح .‏

أولاً علينا أن نفهم مسألة أساسية وهي: إن الماركسية لم تكن مذهباً في يوم من الأيام, لا من حيث تسميتها من قبل من طرحها من جهة, ولا من حيث طبيعة قوانينها ومقولاتها من جهة ثانية. فالماركسية كانت ولم تزل منهجاً في التفكير, لها قوانينها ومقولاتها ممثلة في ( المادية الجدلية والمادية التاريخية), والتي يمكن نعتها مجازاً بالنظرية العلمية. فنعتها بالمذهب, هو لصق صفة الجمود بها, وهذه ليست من صفات الماركسية التي من آولى قوانينها الحركة والتطور والتبدل.‏

أما لجهة القول: بغياب الصفة العلمية عنها, فالسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: كيف غابت الصفة العلمية عنها وهي لم تزل كمنهج تتمسك بكل مقولاتها وقوانينها التي قامت عليها؟, وهي القوانين والمقولات ذاتها التي منحتها الصفة العلمية .‏

أما لجهة نعتها بالآيديولوجيا التقليدية, أي الآيديولوجيا التي وصلت إلى مرحلة الجمود وفقدت قدرتها على مجارات قضايا العصر, وبخاصة بعد انتهاء المنظومة الاشتراكية, فهذا النعت أيضاً غير وارد لسببين : الأول: إن الآيديولوجيا في سياقها العام عندما تقوم في جوهرها على الحركة والتطور والتبدل, ليست سبّة من حيث بنائها ووظيفتها, والثاني: كيف تكون الماركسية كمنهج علمي في التفكير - وأوأكد على صفة المنهج – آيديولوجيا تقليدية ؟, وهل يعقل أن من يمتلك أو يقوم على آلية عمل علمية تؤمن بالحركة والتطور والتبدل للظواهر, أن يقال عنه تقليدي ؟! .‏

هذه مسائل إشكالية وخلافية في الآن ذاته, ساهم في نشرها وتعميمها كما اعتقد من شعروا بخطورة المنهج الماركسي على مصالحهم, وبخاصة الطبقات الاستغلالية, ويأتي على رأسها الطبقة الرأسمالي التي صرفت مليارات الدولارات من أجل تشويهها ومحاربة من تبناها فكرياً وعملياً تحت شعارات كاذبة, مثل الزندقة والكفر والإلحاد والإباحية والاستبداد, لا لشيء, إلا كونها طالبت بتحقيق العدالة في المجتمع عبر التقسيم العادل للثروة, في الوقت الذي سادت في الغرب وأمريكا نظريات ومذاهب فكرية وممارسات عملية على كافة المستويات حملت بذاتها كل هذه النعوت السيئة التي أرادوا تحميلها للماركسية ومعتنقيها, ومع ذلك لم تحارب, بل فتحت قاعات العلم لها في الجامعات الأوربية والأمريكية.‏

أما مسألة التشظي الماركسي التي تمثلت في تعدد المدارس الماركسية, فهذه مسألة ترتبط بطبيعة الفكر الماركسي ذاته من جهة, وهو الفكر الذي يؤمن بخصوصيات الواقع وتاريخيته وتعدد تجاربه, وهذه المسألة بالذات أشار إليها منظروا الفكر الماركسي بدقة, ومنهم لينين على سبيل المثال عند مخاطبته القادة السياسيين ممن تبنت بلادهم الطريق الاشتراكي في التنمية آنذاك قائلاً: ( يخطئون هؤلاء الذين يقولون إن ذلك اللون الرمادي صالح لكل زمان ومكان) . ومن جهة أخرى ترتبط التعددية في طبيعة الصراع الذي دار بين التجربتين الاشتراكيتين آنذاك وهما, التجربة الروسية, والتجربة الصينية, أما التجربة الماركسية التي تبنتها أحزاب الطبقة العاملة في الغرب, فهي تجربة براغماتية بحت شجعت الطبقة الرأسمالية على قيامها رغبة منها في السيطرة على طموحات وإرادة الطبقة العاملة في الغرب, وهذا ما تم بالفعل, فكل الأحزاب التي تدعي الاشتراكية ومارست السلطة تحت يافطة «حزب العمال» هي لا تختلف في توجهاتها وحواملها الاجتماعية - وبخاصة قياداتها - من حيث العمل لمصلحة النظام الرأسمالي, بدءاً بحزب العمال الفرنسي, مروراً بالحزب العمالي البريطاني, وصولاً إلى الاشتراكية الدولية ممثلة بكل أحزابها على مستوى الساحة الدولية العالمة .‏

أما الحديث عن نهاية الماركسية وخمود شعلتها, وما هي مقاربتنا لبداية جديدة, فهذا يدفعنا للتساؤل من جديد, هل من المعقول أن تخمد أو تنطفئ شعلة كل ما هو علمي وعقلاني في هذه الحياة؟, وهل استمر في تاريخ البشرية غير من يحمل هذه الصفات العقلانية والعلمية؟ , ثم أين هم من وقفوا ضد كوبورنيك , وهارفي, وسقراط , وأبن رشد, وغيرهم ممن حملوا مشعل العلم والعقلانية .‏

أعتقد أن أزمة الماركسية هي أزمة معرفة بها أولاً, ثم أزمة حوامل اجتماعية لم تصل بعد إلى مرحلة وعي الذات ثانياً, وأخيراً أزمة من لم يستطع بعد أن يفهم أن الماركسية ليست الاشتراكية, فالدعوة إلى العدالة طرحت قبل الماركسية بمئات السنيين, وستظل تطرح في التاريخ الإنساني من قبل من يؤمن بالعدالة الاجتماعية, ماركسياً كان أم غير ماركسي .‏
 

 الإثنين/25/1/2010
 
 
 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم