Untitled Document

    | المرأة | فنون وآداب |   إتصل بنا | الأطفال |  إرشيف الأخبار | الصفحة الرئيسية |  مقالات | دراسات

 

مقالات مختارة

صوت اليسار العراقي

 

تصدرها مجموعة من الكتاب العراقيين

webmaster@saotaliassar.org    للمراسلة

 

بين إعدام فهد 14 شباط 1949 في ساحة المتحف الوطني العراقي

 

ومحاولة إعدام الذاكرة الحضارية العراقية في 9 نيسان 2003

 

 صباح زيارة الموسوي

 

اختار الحكم الملكي المقبور ساحة المتحف الوطني العراقي لتنفيذ حكم الإعدام في الشهيد مؤسس وقائد الحزب الشيوعي العراقي يوسف سلمان يوسف (فهد). لقد دوى صوت الشهيد فهد عالياً وهو يعتلي أعواد المشنقة: «الشيوعية أقوى من الموت، وأعلى من المشانق». وقوله قبل ذلك وهو في طريقه من السجن إلى موقع الإعدام في ساحة المتحف العراقي: «لن يموت شعب يقدم التضحيات»، وقوله أيضاً: «نحن أجسام وأفكار، فإن أفنيتم أجسامنا فلن تقضوا على أفكارنا». ونفذ حكم الإعدام برفيقي فهد الشهيدين حسين الشبيبي وزكي بسيم، الأول في باب المعظم، والثاني في الباب الشرقي؟

لقد مرّ على إعدام فهد ورفيقيه ستة عقود من الزمان ، لتجري أكبر محاولة في التاريخ بهدف إعدام ذاكرة الشعب العراقي الحديثة والحضارية على حد سواء، ولم تكن مصادفة  أن يرى المحتل الأمريكي في المتحف الوطني العراقي موقعاً لتنفيذ حكم الإعدام هذه في 9 نيسان 2003.

إن إعدام فهد في ساحة المتحف الوطني العراقي للحفاظ على النظام الاستعماري وضمان الهيمنة على النفط العراقي، وإعاقة تحول العراق إلى قلعة للتحرر الوطني والعربي والعالمي، هي ذات الأسباب التي دفعت الإمبريالية الأمريكية لاحتلال العراق، لكنها لم تواجه هذه المرة فهداً لإعدامه، فكان لا بد من إعدام الذاكرة التاريخية لشعب فهد. وهكذا تم تنفيذ حكم الإعدام بالمتحف الوطني العراقي على يد الحلف غير المقدس بين المستعمر القديم بريطانيا العجوز التي كانت هي التي قد نفذ حكم الإعدام بفهد ورفيقيه في 14- 15 شباط 1949، بواسطة الحكم الملكي العميل والاستعمار الجديد ممثلاً بالولايات المتحدة الأمريكية لذات الأسباب القديمة – الجديدة.

لقد كتب عن مسيرة القائد الشهيد فهد الكثير، وسيكتب عنه على تعاقب الأجيال، فقائد من طرازه لا يتكرر بسهولة، فهو بحق من طراز القادة التاريخيين، وعليه سأكتفي بالكتابة عن صفة قيادية واحدة من صفات فهد. وكذلك عن موقعه المميز على صعيد الحركة الشيوعية العربية والعالمية آنذاك، من قرار تقسيم فلسطين الاستعماري.

لقد عُرف فهد ببساطته وتواضعه وعلاقاته مع الأوساط الكادحة من العمال والفلاحين، فهو لم يكن أبداً من قادة النخبة، بل إنه حتى كتاباته ورغم عمقها الفكري، تميزت بالوضوح وسهولة الفهم. لقد واثب فهد ومنذ وعيه المبكر على المعايشة الوثيقة المباشرة للفقراء، فتركت آثارها الواضحة في معالجاته للوضع السياسي العراقي الملموس من دون شعارات رنانة لا يفقه الكادح محتواها. و لعل في حادثة علاقته مع فلاح بسيط في سجن الكوت مثالاً قوياً على ذلك «يروى أنه في سجن الكوت اعتاد أن يعاشر الفلاحين الذين كان يزج بهم في السجن لأسباب واهية منشؤها جور الإقطاعيين وتقاليد المجتمع العشائري المتخلفة. وكان من بين هؤلاء واحد أعجب به فهد لخصاله الجيدة، وقد نشأت بين الاثنين مودة حقيقية، وكان من عادتهما أن يتمشيا سوية لفترات طويلة كلما سنحت لديه الفرصة. وكان فهد يحدث صاحبه بلغة بسيطة عن الحزب وسياسته، وكما هو شأن الفلاحين وحذرهم لم يكن الفلاح يسلم بما كان يطرحه فهد دائماً: الحكومة قوية يا أبو يعكوب.. سيشلعها ويبدلها» هكذا كان يجيبه.

وكي يقرب فهد الأمر من ذهن الفلاح، قال له: ألم تسمع بالمثل الشعبي الذي يقول: «كثر الطك يفك اللحيم؟» واقتاده إلى خيمة نصبها أحد السجناء. وكان من عادة السجناء الفرادى الذين لا يعثرون على محل يناسبهم، أن ينصبوا لهم خيمة في طرف ساحة السجن، يصنعها من إحدى بطانياته ويرفعها على عصا من الوسط، ويثبت أطرافها بأوتاد يغرسها قوية في الأرض. أخذه فهد إلى أحد الأوتاد وطلب منه أن يقلع الوتد بيده. هزه الفلاح عدة مرات لكنه لم يتزحزح. قال له اتركه وواصلا السير، وكان يتعمد وهو يمشي أن يركله كلما مر به، وكان الفلاح يلحظ ذلك. بعد أيام قاد صاحبه الفلاح إلى حيث الوتد، وقال له: إلا تجرب حظك مع الوتد؟ انحنى هذا عليه، وهزه يميناً وشمالاً فجاء بيده.. أرأيت هذا شأننا مع الحكم. سنظل نركز الضغط عليه في نقطة معينة، ونظل نركله حتى تنهد قواه في اللحظة المواتية. إذاك نقلعه من الأساس!! «ونذكر هنا أن هذا الفلاح وجماعته غدوا من مناصري الحزب الثابتين في أرياف الكوت بعد انتهاء محكوميتهم» عزيز سباهي، عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراقي، ج1.

إن متاجرة الحركة القومية العربية بكل أجنحتها بالقضية الفلسطينية على مدى نصف قرن من الزمان، كانت محصلته ضياع فلسطين بالكامل، وكان لتكالب هذه الحركة على مختلف تسمياتها (البعثية، الناصرية، القوميون العرب..إلخ) على ثورة 14 تموز 1958 المجيدة بحجة عدم قيام الوحدة العربية الفورية وضرورة القضاء على المد الشيوعي في العراق الدور الأساسي بما آلت إليه أوضاع العراق منذ انقلاب 8 شباط 1963 الأسود حتى تسليمها العراق للاحتلال الأمريكي – البريطاني المباشر. وجرى كل ذلك تحت يافطة تحرير فلسطين من النهر إلى البحر. فأين موقف الشهيد فهد من القضية الفلسطينية؟ وألم يكن موقفه هذا السبب الرئيسي الثاني لإعدامه؟ فلنطالع الوثيقة التاريخية التالية التي صيغت من قبل اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي في ضوء ملاحظات فهد بشأن القضية الفلسطينية، ووزعت في رسالة داخلية إلى أعضاء الحزب في كانون الأول 1947 والتي أعلنت رفض الحزب القاطع لتحرير فلسطين.

أولاً: إن الحركة الصهيونية حركة عنصرية دينية رجعية، ومزيفة بالنسبة إلى الجماهير اليهودية.

ثانياً: إن الهجرة اليهودية لا تحل مشكلات اليهود المقتلعين من أوروبا، بل هي غزو منظم تديره الوكالة اليهودية، واستمرارها بشكلها الحالي يهدد السكان الأصليين في حياتهم وحريتهم.

ثالثاً: إن تقسيم فلسطين عبارة عن مشروع إمبريالي قديم، يستند إلى استحالة مفترضة للتفاهم بين اليهود والعرب.

رابعاً: إن شكل حكومة فلسطين لا يمكنه أن يتحدد إلا من قبل الشعب الفلسطيني، الذي يعيش في فلسطين فعلاً، وليس من قبل الأمم المتحدة أو أية منظمة أو دولة أو مجموعة أخرى.

خامساً: إن التقسيم سيؤدي إلى إخضاع الأكثرية العربية للأقلية الصهيونية في الدولة اليهودية المقترحة.

سادساً: إن التقسيم وخلق دولة يهودية سيزيد من الخصومات العرقية والدينية وسيؤثر جدياً على آمال السلام في الشرق الأوسط.

ولكل هذه الأسباب، فإن الحزب الشيوعي العراقي يرفض بشكل قاطع خطة تقسيم فلسطين. (حنا بطاطو: العراق والطبقات الاجتماعية والحركات الثورية، الكتاب الثاني، ص256- 257).

إن رؤية فهد الثورية لطبيعة المشروع الإمبريالي – الصهيوني، سجلت سابقة تاريخية على صعيد استقلال القرار الوطني القومي المستقل عن المركز العالمي للحركة الشيوعية آنذاك. نعني به الاتحاد السوفييتي، ويوثق لرؤية تاريخية مبكرة لاتجاهات هذا الصراع، والذي ترى صورته الحاضرة المأساوية التي حذر منها فهد في نهاية الأربعينيات. لقد واصل فهد تأكيده هذا الموقف المبدئي من سجنه خصوصاً حين وردت معلومات مدسوسة تشير إلى تغير موقف الحزب هذا، في تقرير باسم (ضوء على القضية الفلسطينية) نشر في آب 1948 بطريقة غامضة. (ويذكر الذين زاملوا فهد في سجن الكوت، أنه حين تسلم التقرير طلب إلى أحد رفاقه أن يقرأه بصوت عال ليسمعه السجناء السياسيون في تنظيم الشيوعيين كما في العادة في التعامل مع أدبيات الحزب التي تصل السجن، -ولم يكن قد اطلع على محتواه بعد – ولكن ما أن بدأ القارئ بتلاوة الفقرات الأولى من التقرير حتى بادر إلى إيقافه من دون أن يخفي استياءه، ولم يقرأ التقرير بعدها. وقد أكد هذه الواقعة أيضاً الشخصية السياسية والقانونية المعروف في العراق سالم عبيد النعمان، الذي كان سجيناً مع فهد يومذاك في حديث له مع بطاطو. (عزيز سباهي، المصدر السابق).

قام الشهيد سلام عادل في حسم أمر التقرير في الكونفرنس الثاني للحزب في عام 1956 الذي زيف حقائق الوضع في فلسطين وتستر على بشاعة الصهيونية وعدوانيتها، وأساء إلى فكر الماركسية اللينينية – تقرير اللجنة المركزية إلى الكونفرنس الثاني.. خطتنا السياسية في سبيل التحرر الوطني والقومي، ص31.

في الجانب الآخر، أعني به القوى القومية العربية، فقد واصلت سياسة التشويه والدعاية الكاذبة، ورفع الشعارات الرنانة عن الوحدة والحرية والاشتراكية، لتترجمها بأبشع انقلاب دموي على ثورة 14 تموز 1958 الوطنية، لتتوجها باغتصاب الحكم في العراق على يد بلطجي اسمه صدام حسين ليمثل خير صورة عن هذا المشروع القومي لتحرير فلسطين، وإذا به يختم مسيرة أربعين عاماً من السياسة التدميرية تحت شعار (لا صوت يرتفع على صوت المعركة المركزية) ليلقي بالعراق قلب الأمة العربية والشرق الأوسط في فم الاحتلال الأمريكي، بعد حروب بالنيابة كلها في الاتجاه المعاكس لمعركة تحرير فلسطين.

وفي العودة إلى صفة فهد في الاحتكاك المباشر بالكادحين، والاستناد إلى حس الجماهير في رسم سياسة الحزب، التي واصلها وطورها الشهيد سلام عادل، فقد أوصلت الشعب العراقي إلى انتصار ثورة 14 تموز 1958 المجيدة، بعد أن تحول الحزب الشيوعي العراقي إلى أكبر قوة يسارية في المنطقة، وخوض الشعب العراقي سلسلة كبيرة من المعارك الوطنية المشرفة.

غير أن استشهاد سلام عادل في انقلاب 8 شباط 1963 الأسود ورفاقه الآخرين، أدى في المحصلة إلى بروز قيادة نخبوية ارتهنت للسياسة السوفييتية، لتدخل الحزب في حلقة مفرغة من السياسة الذيلية للبرجوازية الصغيرة تحت يافطات متعددة، بدءاً بخط آب الذي دعا إلى حلّ الحزب الشيوعي والانخراط في حزب عبد السلام عارف، مروراً بأطروحة التطور اللارأسمالي والانخراط في التحالف المشؤوم مع البعث، ورفع شعار الوصول سوية مع البعث للاشتراكية لتتوج بالضربة القاضية في الارتماء في أحضان الاحتلال الأمريكي للعراق، ولتحول الحزب الشيوعي العراقي من أقوى حزب يساري في الشرق الأوسط إلى حزب بمقعدين هبة من علاوي ,وعدد من الوظائف للزمرة الخائنة التي باعت الحزب بتأريخه وشهدائه بابخس الاثمان في سوق نخاسة الاحتلال الامبريالي الصهيوني لبلاد الرافدين.

 

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم