Untitled Document

 

أوراق من العام الفائت

أحمد الناصري

 

دائماً ما نجلس بين عامين، في لحظة عابرة وأخيرة طالما يكررها الزمن، نتأرجح ونتردد بين الحافتين تماماً، وبين خطوطهما المائلة والسائلة والمتداخلة، خطوطهما العمودية والأفقية، نتمسك برائحة الماضي ونتقبل المستقبل بشغف غريب، ونقتنع بالخطوط رغم وهميتها الأكيدة، نتصفح دفاتر الأيام والأعوام، ونراقب الآتين والموتى، ثم نجمع أوراق العام الفائت ونطويها برفق وتوأدة، وندخل العام الجديد، بأمل عريض لا يقبل أن ينتهي أو يتوقف..

مع الأعوام الطويلة والراكضة نحو المجهول، يتراكم الحنين على حافات ونهايات الأعوام، فيتشكل الحنين المتيبس في أعماق الروح وحواشيها، كالعسل المحرم المتخثر في باطن السنين.

الحنين المتسرب من بين الأصابع ومع الدموع.

الحنين الذي قال لي سأقتلك فصدقته وعرفت طعمه.

الحنين الذي اشتريته من بائع كئيب.

الحنين الذي طاردني في الشوارع والمحطات والمدن البعيدة.

الحنين الذي تحول الى نهر من الحزن الجارف.

الحنين البعيد

الحنين الطويل

الحنين الثقيل

الحنين..

لشكل الحنين المتحول

لطعم الحنين

لطول الحنين

لرائحة الحنين

لليالي الحنين الكثيرة، أعلن استسلامي للحنين المرير.

 

2- في الأيام الأخيرة من عام 2009، حاولت أن أكون سعيداً وهادئاً قدر الإمكان، رغم الظروف والأخبار، ورغم كل كئآبات عام 2009، بل رغم كل شيء، وأعددت برنامجاً عائلياً بسيطاً لصنع الفرح، لكن مسؤول البلدية أبى وأستكثر عليّ فرحي البسيط، واستدعاني على عجل وعلى جناح السرعة قبل سويعات قليلة من بدء عطلة رأس السنة، فسافرت بالقطار البطيء والرخيص لمدة 12 ساعة (تطول أحياناً الى 14 أو 16 ساعة) وهو قطار من بقايا القرن العشرين، يشبه قطارات الجنود والحمل التي كانت تتجمع في مفرق مدينة السماوة، والتي قد توصل الى نقرة السلمان وعزلتها ووحشتها السافرة. ومسؤول البلدية هذا هو البديل عن مسؤولي الحزبي الذي تركته وتركني، حينما لم (يعد وجه الحزب وجه الناس) وقد حصل الفراق.

سافرت عبر أراضي وغابات أوربا المغطاة بالثلج، الذي جاء مبكراً وكثيفاً هذه السنة، ومررت بمحطات وأرصفة باردة ومتجمدة وغريبة، أرصفة من دون مودعين أو مستقبلين، لتزيد من أحوال وظروف الغربة ومعانيها.. هنا الطير تشرد وهاجر الى مناطق دافئة، والزرع لبد تحت الثلج يصارع التجلد.. أما أنا فكنت وحيداً أحسب المحطات الكثيرة المتبقية، وأراقب الناس، وأتذكر الناصرية ووجوه الأهل والأصدقاء البعيدة.

قبل سفري أعددت مادة خفيفة عن موضوع جميل وشيق وهو ( الراديو والإذاعة العراقية وصناعة ذائقتنا الفنية والأدبية)، وسجلت ذكرياتي كمستمع عن أبرز الأسماء والبرامج الفنية والثقافية، وكنت أعد المادة، التي أردتها خفيفة وسريعة، على عكس المواد الثقيلة حول الوطنية والاحتلال والطائفية والإرهاب واليسار والماركسية، حتى داهمني على عجل ومن حيث لا أتوقع موعد ( مسؤولي الحزبي الجديد) فقررت دفع المادة للنشر بسرعة ومن دون مراجعة وتدقيق، وحصلت  في المادة أخطاء ونواقص جدية وواضحة، فقد نبهني صديق عزيز الى ذلك، حين ذكرت إن أغنية ( يا حلو صبَح يا حلو طل) للمطرب محمد عبد المطلب، صاحب أغنية (الورد جميل الورد) من ألحان الشيخ زكريا أحمد، بينما هي للمطرب محمد قنديل صاحب أغنية (عنابي عنابي يا خدود الحليوه)، وهي من الأغاني التي أعشقها وقد وزعتها على العديد من الأصدقاء الى جانب أغاني (يمه القمر عالباب) لفايزه أحمد وأغنية ( ساعات) لصباح كلمات الشاعر عبد الرحمن الأبنودي وألحان منير مراد وأغاني رياض أحمد، كما فاتني أن أذكر الملحن الرائع كمال السيد وأغنية ( المكير) والملحن الجميل محسن فرحان، والمطرب الشعبي الشهير سعدي الحلي.

 

*وأنا أجمع وأطوي أوراق العام الفائت، لا بد لي من التعليق على الحادث الخطير للعدوان الإيراني الجديد على  الأراضي الوطنية العراقية في منطقة الفكة النفطية، والسيطرة على البئر رقم 4 وآبار 11 و 12 في نفس الحقل النفطي، وهذا التحرك جزء من تحريك الأصابع الإيرانية الطويلة التي تعبث بالأمن والاقتصاد والسياسة والمدن العراقية، من خلال توسيع النفوذ والتغلغل الإيراني في بلادنا، بواسطة أساليب وأدوات كثيرة، أبرزها الأحزاب الطائفية الدينية التي تشكلت وتربت في إيران، لإثارة مشاكل عديدة والدخول في مفاوضات وصفقات مع الاحتلال الأمريكي وفتح ملفات كثيرة، ومحاولة التفاوض على ما يسميه الجانب الإيراني بالأراضي والحقول المشتركة أو المتنازع عليها، وهي ليست كذلك. إن ما يجري الآن في بلادنا وعلى الحدود هو امتداد ومن مفاعيل السياسة الهوجاء السابقة، ومن نتائج الحرب والاحتلال، وسقوط وتفكك الدولة العراقية وحل الجيش، وصعود الطائفية المضادة للوطنية، وتشكيل جيش طائفي هش، كتجميع واتحاد للميليشيات القابلة والمتواطئة مع الاحتلال، وفشل وعجز التجربة الحالية، حيث كان صمت الإدارة المحلية التابعة للاحتلال وإيران شيء مريع لكنه فج ومضحك، وهو يكشف ضحالة وطبيعة التشكيلة الراهنة.

* قبل نهاية العام اتصلت بأصدقاء رائعين وأساسيين بالنسبة لي، أحاول متابعة أخبارهم وأحوالهم رغم ظروفي المرتبكة، ورغم حالة عدم الاستقرار الطويلة التي أعيشها، وأحد الأصدقاء لم أره أو أسمع صوته منذ عام 78، تحدثنا عن مواضيع وملفات ساخنة عديدة لا بد من فتحها ومواجهتها طال الزمان أم قصر، وهي ملفات تحتاج الى جهود وجلسات طويلة، لكننا وقبل كل شيء نحتاج الى طريقة نقدية جديدة وجدية إزاء ما وقع من أخطاء وكوارث ونواقص خطيرة وكثيرة، لا تزال تشتغل وتؤثر وترسم ملامح العمل الراهن. وأصدقائي للأسف لم يسمعوا بعد وجهة نظري ورأيي بما جرى من أحداث وقضايا وملفات كثيرة وخطيرة بعد. المهم لا زلت أسعى في هذا النقاش وغيره، الى طريقة نقدية أخرى تختلف عن الطرق والحسابات والتبريرات التقليدية السائدة الى الآن، والتي لم ولن تساهم في وضع وصياغة حلول ومفاهيم نقدية نافعة، بل ساهمت وتساهم في استمرار وتكريس الخطأ.

 

* هكذا نطوي أوراق وملفات العام الفائت بكل ما عليه من كثير وبما له من قليل، ونفتح بوابات العام الجديد. 

 

أحمد الناصري

29.12.2009

alnassery3@hotmail.com

 

 

 

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 الصفحة الرئيسية | مقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | أرشيف الأخبار | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

 

مقالات مختارة

صوت اليسار العراقي

تصدرها مجموعة من الكتاب العراقيين

webmaster@saotaliassar.org    للمراسلة