<%@ Language=JavaScript %> عناد عبد الصعب عــراقيون   أبجد هّوز ف – فتاة شارع السعدون (بغداد)
   

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين          

 

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                        

 
 

 

 

لا

للأحتلال

 

 

عــراقيون

 

  أبجد هّوز

 

ف – فتاة شارع السعدون (بغداد)

 

 

عناد عبد الصعب

 

هذه شهاداتي لعراقيين و احداث عراقية شهدتها و عشتها واسعى لتدوينها و روايتها كما حدثت او كما عرفتهم.

        بشن صدام الحرب على ايران و احتلاله لجزء من اراضيها دخل العراق ، و العالم بعده، حقبة جديدة مجهولة لم تنته اهوالها بعد.  انسحاب الجيش العراقي من معظم الاراضي الايرانية المحتلة لم ينه الحرب المجنونة التي ظنتها المؤسسة الدينية الايرانية الحاكمة الفرصة الذهبية لغزو العراق و الاطاحة بصدام.  الجو العام كان متشآماً بانتظار معجزة تنهي الحرب. الاعلام الغربي يهوّل من قدرة الايرانيين على اجتياح العراق لدفع صدام الى احضانهم. تأقلم الناس مع الحرب و واقع سقوط بضعة صواريخ ايرانية بين الحين والآخر على مناطق مدنية بعيدة عن الاهداف العسكرية و مقتل عدد من الابرياء العزل.

في تلك الفترة كنت في الخطوط الامامية ضمن تشكيلات الفيلق الثاني.  كنت اقضي اجازاتي الدورية بالتجول ببغداد كمن يسعى للتشبع بالحياة غير العسكرية تعينني في الوقت بين اجازتين بين جنارة و بنجوين في الخطوط الامامية.  كان شارع السعدون الشريان الحيوي في بغداد.  كنت اوقف سيارتي في الشوارع الخلفية و انطلق راجلاً في ارجاء المنطقة.  صرت ألحظ فتاة لا يزيد عمرها عن 14-15 سنة تقف عند باب سينما أطلس لترافق من يشتري لها لفّة كباب او اي مشروب غازي الى داخل السينما!  في احد الايام اوقفت سيارتي في الشارع الفاصل بين سينما اطلس و سينما النجوم، قبالة محل للحلويات.  المنطقة مزدحمة بالسكان و عمال المحلات و زائري العيادات الخاصة و الباعة المتجولين و افراد الامن بالملابس المدنية و كل من هب و دب.  بعد ان انهيت جولتي الراجلة ذهبت الى سيارتي فوجدت الفتاة تستند على السيارة و معها شابان يحاورانها.  وضعت المفتاح لافتح الباب فسمعتها ترد على احد الشابين بلغة المتوسل "ليش آني ما أريد واحد يكودلي، احسن من العيشة بالشارع" و خاطب احد الشابين ألآخر " اختي ستذهب الى اهل زوجها في رمضان و اعطتني المفتاح لأحرس البيت".  بسماعي كلمات الفتاة ارتفع ضغط الدم فلم أعد ارى ما اماي.  جلست في مقعدي بالسيارة وأغلقت الشباك رغم الحر القائظ.  شغّلت راديو السيارة و كانت الاغنية تصرخ "هذا شعبنا المنتصر... صدام هذا خباله"  نعم سمعت كلمات "هذه اخباره" الكلمات "صدام هذا خباله".  لم أجد كلمة الفتاة بذيئة بقدر بذاءة الواقع و الحياة التي افرزت هذه الفتاة و الشابين النذلين .  الواقعة افسدت اجازتي لكني سرعان ما نسيتها في غمرة القصف الايراني العنيف في الخطوط الامامية و مشاغل الحياة الاخرى.

بعد اجازتين او ثلاث كنت أمشي في شارع السعدون باتجاه سينما أطلس و عندما اقتربت من سينما النجوم رأيت شابين أو ثلاثة بملابس سوداء و لحى انيقة و خفيفة يجلسون على الدرجات المفضية الى السينما.  لم يكن وجودهم طبيعياً و لحظت ان المشاة يجنبون النظر اليهم بينما كان احد الشباب يجلس بارتياح و ثقة ظاهرتين.  فجأة ظهرت الفتاة بملابس سوداء و لكنها كانت مكتنزة الجسم و علامات النضج الانثوي بادية عليها.  اقتربت بخفة من الشاب الجالس و تداخلت سيقانهم بينما انحنت تتحدث اليه و ظل هو مسترخياً في جلسته مطلقاً احدى ساقيه بينما انحنت الاخرى و تكاد ركبته تلامس مؤخرة الفتاة.  انهت حديثها و انصرفت برفقة احد الشابين الآخرين.

تذكرت الحادثة في عام 2000 عندما حضر فؤاد سالم الى لندن ليحي حفلة رأس السنة حيث التقيته لأول مرة.  كنا نتحدث عن العراق و ما آل اليه في ظل صدام.  كان تشخيصه صائباً و بليعاً.  وصف فؤاد صدام بنابليون الذي سعى لافساد المجتمع الفرنسي و هدم قيمه كمن يسعى لجعل المجتمع سافلاً يحكمه سافل أبطش.  هذا ما سعى اليه صدام: إشاعة الرذيلة كيلا يعيره احد بوضاعته.

لقد طبق صدام مبدأ البعث حرب على الشعب سلاحه الجيش و الحزب.  لو تتبعنا مراحل استيلائه على السلطة نجد انه سعى منذ الايام الاولى لتحقيق انتقال تدريجي بالامساك بمفاصل الامور و عمل على اشاعة العنف بالاخص في الامن و الشرطة. اذ كان صدام يمجد القنوة و العنف و البطش فصار يكافئ من يخرق التعليمات و الظوابط طالما يظهر الولاء له.  هذا كله يجب ان لايعمي بصرنا عن الواقع ان من ساعده في هدم العراق حزب البعث اعضاء و نصراء و مؤيدين.  السقوط الاخلاقي للبعثي هو بقبوله لاضطهاد الآخرين و قيامه بدور كلب الحراسة المسعور في خدمة سيده بعيدا عن الشعارات و الاهداف التي كانوا يزعقون بها.  الدمار الذي الحقه البعثيون في العراق لم يسبق له مثيل اذ استهدف القيم الاجتماعية للناس مثل الشرف و المبادئ و التكافل جاعلاً اياهم كحيوانات في قطيع ياكل القوي الضعيف.  ربما كانت احد اهدافه إشغال الناس باستهداف احدهم للآخر بدلاً من توحيد جهودهم ضده للتخلص منه.

  لم تتغير الامور كثيراً بعد الاحتلال اذ يتكالب المحتل و اذنابه من جميع الاحزاب المتواطئة في افساد الناس و إشاعة الرذيلة و هدم ما تبقى من العراق.  ان المروجين للعملية السياسية في العراق لا يختلفون عن الشابين الذين استغّلا ضعف الفتاة و تشردها للسمسرة بجسدها.  الفارق ان الشابين سمسرا بجسد فتاة واحدة بينما سياسيونا يسمسرون بأمّة، و أي أمّة.

 

 

عناد عبد الصعب

17 حزيران 2011

enadabdulsaab@gmail.com

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany

 

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا