صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين          

 

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                      مقالة للكاتب جمال محمد تقي      

 
 

 

 

لا

للأحتلال

 

 

 

 

 

 

 

 

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

  

 

بئس المصير !

 

البارزاني : كاريكاتير قيس عبد الله

 

 جمال محمد تقي

 

ما ينطبق على تعريف البرزاني لمفهوم الفدرالية ينطبق بالتتابع على مفهوم حق تقرير المصير عنده ، فالرجل ومن خلال ما ترشح عنه طيلة فترة حكمه لامارة بادينان واربيل ـ تمييزا لها عن امارة سوران التي يحكمها الطالباني ـ  معروف بما وصف به من قبل بريمر في كتابه عامي في العراق ، والذي قال عنه بانه متعجرف ويريد ان يكون الرئيس الابدي لدولة كردية وبأي ثمن ، اما العراقيون فقد خبروه من خلال مواقفه وتصريحاته التهديدية المتكررة ، والتي تشي بغرور مضطرب ، ونقص غالب على سلسلة معارفه وخبراته السياسية والفكرية ناهيك عن القانونية والاكاديمية ، فهو لا يفرق بين الحزب والعشيرة ، ولا يجد غضاضة من مطابقة الديمقراطية بالاثنوقراطية ، ولا فرق عنده بين التمرد القبلي والثورة ، وهولا يميز بين رئيس دولة ورئيس شركة ، وبين معنى الحكم المحلي والحكم الفدرالي ، ناهيك عن الكونفدرالي ، هذا التهافت المعلل ورط صاحبه بمقولات ما انزل الله بها من سلطان ، واحرجه باعذار اكثر قبحا من الجهل نفسه ، فبعد كل سقطة يخرج من يدافع عنه بحجة انها كانت زلة لسان او انه لم يقصد المعنى الذي اشاعه كلامه ، وهذا ما حصل فعلا بعد سقطته الجديدة اثناء كلمته في المؤتمر الثالث عشر لحزبه الذي يتسمى بالحزب الديمقراطي الكردستاني ، حيث تفتقت قريحته عن خبطة جديدة لا يفقه كنهها الا الملقنون ، فهي تتناقض شكلا على اقل تقدير مع السياق المعلن  ، وهي تصدم كل الديكورات الممسرحة على خشبة العملية السياسية القائمة والتي تريد ان تنفي عن نفسها تهمة السير باتجاه تقسيم العراق ، فيجيء هو وبتعمد ابتزازي ليعلن امام شركائه الاتحاديين وعلى رؤوس الاشهاد عن سعيه في المرحلة القادمة لنيل حق تقرير المصير لاكراد العراق  ، مع طرحه الحاسم في موضوعة كركوك حيث اعتبر امر كرديتها محسوما وان انضمامها الى اقليمه هو مسألة وقت مستحق سيستعجله بكل قوة ، وحتى من دون استفتاء !

 الشركاء لا يريدون سماع من يفضح جوهر عمليتهم السياسية والاهداف الكامنة فيها ، على اعتبار ان مصير اكراد العراق قد تقرر ، وانتهى الامر الى الاختيار الفدرالي ، والذي بدونه لما كان ممكنا للطالباني ان يكون رئيسا للعراق ولا كان ممكنا لهوشيار زيباري ان يكون وزيرا لخارجية العراق ، بل دونه لما امكن للبرزاني نفسه من ان يلعب مايلعبه اليوم من ادوار .

بعد يومين من سقطته تلك خرج ابن اخيه ونائبه في رئاسة الحزب نيجرفان برزاني محاولا اصلاح ما افسده عمه الذي فضح النوايا وهدد بها ومن اجلها ، مفسرا كلامه بالحرص على الوحدة الوطنية ، ونافيا عنه دعوته للانفصال او اشارته لقرب اعلان الدولة الكردية !

يستطيع اي مدقق تلمس سلبية انعكاس حالة الاستعجال على اداء البرزاني ، وكيفية تفاعل الحالة مع طبيعة توتراته النفسية اثناء مداخلاته وعلى طبيعة لغته في اللقاءات السياسية والصحفية ، فتجده غالبا ما يهرب الى امام متلبسا اقنعة الصرامة والتشدد والثقة المفتعلة ، واحيانا كثيرة ينزلق لمنحدرات التهديد والوعيد ، فهو يخرج على السياق دون مبررات ويقفز للنتائج التي يريدها هو من دون مقدمات ، وهذه الحالة بحد ذاتها تدلل على حجم التناقضات التي يعانيها الرجل ، ولسنا بحاجة الى ايضاح حالته المثارة بحكم مشاعر التقزم امام شريكه اللدود الطالباني ، خاصة عندما يتكلم الاثنان بجلسة علنية واحدة ، فالطالباني  لا يتعجل الامور ، وهو متعلم وله مزاج مطلع يجعله لا يفتي بشيء علني من دون رتوش وتورية ، خاصة عندما يدور الحديث عن النوايا كاهداف نهائية ، تعبد الطريق لاقامة الدولة الكردية  !

ان فقدان التوازن قد يؤدي بصاحبه للتحليق بعيدا عن الواقع ، والذي قد يلامس بطيرانه قبة السماء ليحترق عندها ريشه ويسقط مذعورا على ارض غريبة ، فمن يستحضر حالة البرزاني وهو يستجدي ويستعطف صدام حسين  لمجرد اعتماده كواجهة سياسية رسمية في شمال العراق بالضد من غريمه الطالباني ، يغفر لنا ما نكتبه عن الروح الانتهازية والابتزازية الكامنة في اعماقه والتي ربما يغطيها غبار السلطة الوهمية الراهنة ، الشيء الاضافي الوحيد الذي يزيده تسرعا واضطرابا هو كم الضغوط والنصائح المتواترة والمشجعة له من قبل صهاينة امريكا واسرائيل على ضرورة اقتناص الفرصة بالانسلاخ النهائي عن الكيان العراقي وهو في حالة الضعف والدوخان الحالي !

في حقيقة الامر ان البرزاني يعني مايقول فهو يبتز الشركاء بما هو سائر باتجاهه طارحا مقايضة تنازلهم له عن مكاسب جديدة مقابل تاجيل تنفيذ اجندته الانفصالية او عدم المجاهرة بها مرعاة لموقفهم الحساس ، فهو يريد حصة الند في التوزيع الوزاري القادم ، ويريد اعتبار ضم مايسمى بالمناطق المتنازع عليها امر واقع يجب اقراره وتخريجه ، وان اي تعارض بين اجندته واجندة المركز يجب ان يحسم لصالح الاقليم ، وبهذه الحالة فقط سيضمن تقدمه باتجاه استكمال كل متطلبات الانفصال الناجح !

ان اكراد العراق كباقي ابنائه متعودون على العيش المشترك منذ الازل ، وحق تقرير مصيرهم مرهون بمصير العراق ككل ، وليس بمصير دستور وعلم وبرلمان كان وفق لصك الاحتلال مهندس ومكرس ، فالشعب العراق كباقي شعوب الارض يناضل من اجل تحرره من المحتلين ومن اجل اقامة دولة المواطنة المتساوية ، وهنا على البرزاني اعادة قراءة معنى حق تقرير المصير ، بتفسيرته الثلاثة ، الماركسية ، والامريكية ـ نسبة الى اعلان الرئيس ولسن ـ  والدولية نسبة الى قضايا تصفية الاستعمار . ان من يعرف العراق ، يعرف بانه ليس مجموعة شعوب تعيش في بلد واحد وهي مستقلة عن بعضها ولا يجمعها جامع سوى المركز ، هذه صورة مضللة وسطحية ومبتذلة لبلاد عمر الحضارة فيها يناهز العشرة الاف سنة ، لبلاد يكتسب كل من استوطنها ذات الملامح والامزجة ، مع احتفاظ الجميع بتفرده ، فليس للفيلي مصير غير المواطنة العراقية المتمقرطة ، وهكذا الحال بالنسبة للاشوريين والكلدانيين اصحاب الارض الاصليين ، ونفس الشيء بالنسبة للصابئة والعرب والتركمان والاكراد ، فلا تغيير لمصير حيك زمانه منذ بداية التمدن على هذه الارض ، وبنى مكانه تزاوج ملحمي لتكامل عوامل الجغرافية والتاريخ والمدى المفتوح .

ليحلق البرزاني ومن يشحنه ، او من يحرضه على التحليق عاليا ، كما يقولون ، فالنهاية ستكون ريش محروق وسقوط ما بعده سقوط .

    

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل أيّة مسؤوليّة عن المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم .

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany