صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين          

 

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                              مقالة للكاتب جمال محمد تقي      

 
 

 

 

لا

للأحتلال

 

 

 

 

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

  

 

 

 

 

 

 

 

خلع بن علي بين المفاجئة والتوقع !

 

 

جمال محمد تقي

 

 مازالت تتفاعل انعكاسات الحركة الاحتجاجية العفوية التي انطلقت من سيدي بوزيد بتونس قبل عدة اسابيع ، والتي تحولت الى سونامي شعبي عارم طاف تونس كلها ، ونجح في شل مفعول سموم شبكات العناكب البوليسية المهيئة لقمع اي حالة تمرد وسحقه قبل ان يتحول الى ثورة خارج نطاق السيطرة ، هذه الحركة التي كان من اهم نتائجها ، الاطاحة بحكم بن علي وعائلته .

التفاعل ونتائجه ومعانيه ليست منحصرة في النتائج المباشرة على طبيعة نظام الحكم لمابعد بن علي في تونس ، وانما في انعكاسته على محيطه العربي المطابق بمجمله للحالة التونسية لما قبل بن علي ، فهناك فرحة ومؤازرة شعبية عربية كبيرة للانجاز الذي حققته حركة الاحتجاج الشعبي التونسي ، وعلى العكس منه هناك حالة قلق وخشية رسمية تسود اغلب قصور حكم الانظمة العربية ، والتي لا تختلف شكلا ومضمونا عن حكم بن علي الساقط في تونس ، وقطعا نحن لا نتجنى على احد اذا قلنا بان بعضهم يتفوق عليه في السوء !

الثقة بقدرة الناس البسطاءعلى تحقيق الاهداف الكبرى ومن دون تدخلات خارجية ، هو معنى كبير من معاني التغيير الذي حققه الاهالي بانفسهم ، بمنطق ان التغيير والاصلاح هما هدفان شعبيان صميمان لا يتحققان الا باعتماد ارادة الناس انفسهم ، فاحلال الديمقراطية الحقيقية كهدف نهائي محل الديكتاتورية لا يمكن ان يتحقق من دون اناس ينتزعوه ، لانه ليس بضاعة تستورد ، او نظام معلب يمكن ان ياتي محمولا على ظهور الدبابات الامريكية ، او ياتي مدغوما بنظام الشراكة الاستثمارية مع دول الاتحاد الاوروبي ، ومن هنا فان مغزى ما حدث في تونس يكذب دعاوى المتأمركين باعتبار ان ما يجرى في العراق وافغانستان هو الحل الامثل لحالة هذا الشرق المبتلي بالتكالب الغربي على ثرواته وموقعه ، والمبتلي بانظمة حكم هي صنيعة ومتخادمة معه .

من الواضح ان الذي جرى لا يسر الانظمة العربية في مصر والجزائر والخليج والعراق والاردن وليبيا والمغرب والسودان واليمن وغيرها ، لان الذي جرى ينعكس على شعوبها فهو سيشجعها على الاقدام والتوثب لانتزاع حقوقها وكرامتها المهدورة ، لذلك فهي ستقلل من شأن ما حدث وستسفهه ، وتعتبره زوبعة في فنجان ، وربما تتأمر عليه لاجهاضه ، وهي بذلك تلتقي مع هواجس الدول الغربية التي كانت تعتبر نظام بن علي نموذجي في تماهيه مع مطالبها لمحاربة الارهاب وفتح تونس على مصراعيها امام استثماراتها ، علاوة على كونه ركنا من اركان الاعتدال العربي الذي يعادي من يعادي امريكا ويقترب من المقربين منها ، وتطبيعه المموه مع الكيان الصهيوني هو مثال حي ، فالدول الغربية لا تريد ديمقراطية حقيقية تجعل الغلبة للمناوئين لها في الحكم ، لان شعوبنا وباغلب مكوناتها تناهض سياسة التبعية السياسية للغرب وتعارض الانفلات الاقتصادي الذي يحرم نظام الحماية للاقتصاديات الوطنية ويحلل نظام السوق الحرة المقيدة بشروط مثلث العبودية المعولمة ، البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية ، والتي ترتكز على الغاء الدعم الحكومي لاسعار السلع الغذائية الاساسية المستوردة ، وخصخصة القطاع العام .

 

ان استبيان الملامح الديناميكية التي ميزت تطور الاحداث ، وعللت هذا النجاح الثمين الذي حققته تلك الحركة العفوية ، وبسرعة فائقة غير متوقعة من اكثر المتفائلين في احزاب المعارضة ، داخل وخارج تونس ، يجعلنا نقر بانه من الصعوبة بمكان التنبأ باحداثيات سيكلوجيا الثورات العفوية وبمجرياتها وعواقبها خاصة اذا كان اغلب المنخرطين فيها من بين صفوف المؤهلين تعليميا والمعطلين عن العمل واليائسين من تحقيق التغيير المنشود بشروط النظام نفسه ، والذين باستعداهم للذهاب بالاحتجاج الى ابعد مدى ممكن يساهمون بتآكل قوة قمع السلطة وتفكك دوائر الدعم والاسناد من حولها .

كانت للرئيس المخلوع خطابات متسلسلة قبل قراره المفاجيء بالهروب الى خارج البلاد ، يستبين منها حسابات الفعل ورده في الميادين المشبعة بآليات التحدي والاستجابة ، ففي خطابه الاول كانت لهجة العصى والجزرة تسود المتون والهوامش ، وكانت مفردات الوعد بمعالجة ما اسماه بالمشكلات المعاشية والخاصة بالخريجين والشباب العاطلين عن العمل ، والوعيد باشد انواع الحزم والتصدي لما ادعاه باعمال التخريب والعصيان والارهاب ، بنفس الوقت الذي كانت تمارس فيه اجهزته القمعية اطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين ، بالمقابل فان المحتجين يزيدون من زخمهم الذي اخذ بالاتساع ، اما خطابه الثاني والذي جاء بعد اقل من 72 ساعة فقد تضمن ضخ المزيد من الوعود كالوعد بتوفير 300 الف فرصة عمل جديدة وتخصيص مبلغ 5 مليار دولار لاعمال التشغيل واقامة نظام الحماية الاجتماعية للعاطلين عن العمل ، واقالة وزير الداخلية وتحميله مسؤولية الاستخدام المفرط للقوة والوعد بتشكيل لجنة للتحقيق بالفساد والرشوة في اجهزة السلطة ، وبالمقابل كانت هتافات المحتجين تتصاعد متهمة الرئيس نفسه وعائلته واركان حزبه بالفساد والرشوة واستغلال السلطة والاستبداد بها ، حينها كانت قوات الامن الرئاسي بقيادة علي سيراتي قد جربت كل اسلحتها لتغيير وجهة التظاهرات ، وارتكاب اعمال تخريب ونهب لتشويه صورة الاحتجاجات والاساءة الى طبيعتها المشروعة ، لذلك لم يجد الرئيس بدا من محاولة الاستعانة بالجيش واعلان حالة الطواريء ، وقد وقفت قيادة الجيش وتحديدا قائد القوات البرية رشيد عمار موقفا مشرفا عندما وافقت على انزال الجيش للشارع من دون التماهي مع موقف قوات الامن الرئاسي الذي كان يطلق النار على المحتجين بمساعدة من عناصر امن وزارة الداخلية ، داعية رئاسة الجمهورية لايجاد حلول سياسية للازمة على اعتبار انه ليس من واجبات الجيش مقاتلة مواطنين يحتجون على السلطة لاسباب هي ليست ذات علاقة بالجيش ومهماته ، ومع نصائح عديدة قدمت للرئيس من بعض مستشاريه ومن بعض البعثات الدبلوماسية ، جاء الرئيس ليعلن بخطابه الاخير عدم ترشيح نفسه في الانتخابات الرئاسية القادمة ، وانه يجدد تعهداته بالاستجابة للمطالب المشروعة للمحتجين ، مع مطالبتة للمواطنين بالركون للهدوء والكف عن التظاهر ليتسنى له تنفيذ ما يقوله ، واعلن ايضا عن اعادة تكليف محمد الغنوشي لتشكيل حكومة جديدة ، والمقابل فان الجماهير المحتجة قد واصلت اندفاعها واخذت حشودها تتزايد داخل العاصمة نفسها ، وهي تعلن وعلى رؤوس الاشهاد بانها لا تثق بالرئيس ووعوده ، ولا بديل عن اسقاطه ، واقامة نظام ديمقراطي حقيقي لا اقصاء او احتكار فيه ، في ليلة اليوم ذاته خرج الرئيس سرا ولم يعد رئيسا .

الف تحية لتونس الامل ، وصانعة التاريخ ، والمجد كل المجد للبسطاء من المحتجين في شوارعها ، والخلود لشهدائها الابرار ، وكل المؤازرة لطلائعها النبيهة ، والتي لن تسمح لبقايا نظام بن علي من ايقاف عملية التغيير عند منتصف الطريق .

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل أيّة مسؤوليّة عن المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم .

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany