كتابات حرّة

 الصفحة الرئيسية | مقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | أرشيف الأخبار | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

               

مقالات مختارة

 صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org 

 

مقامة العراقي والزبدة

 

كامل الجباري

 

    حدثنا الحكيم هلكان السومري العراقي في جلسة للمقامة السومرية . قال : ما هي قضيتكم مع الزبدة ، يا أبناء بلدي ؟ أجبته : عن أي زبدة تتكلم ؟ أجاب : ما إن يسال أحدكم عن موضوع ما تقتضي الإجابة عليه التوسع في الشرح والتعليل والغوص في ما وراء ظواهر الأمور ، حتى تضيق صدوركم ، وتتصدع  رؤوسكم ، فتقطعون الكلام بسأم قائلين : ما هي الزبدة ؟

 أنتاب المواطنين الحضور شعور بأن الحكيم يريد قول شيء من خلال طرح السؤال ، فمهد له أحدهم الطريق بالجواب : ومنكم نستفيد . استطرد الحكيم :

اعلموا يا أخوان إن ذلك من باب إلغاء العقل والتنبله والاتكال على الغير وهي صفات مذمومة في الأشخاص والأمم . كما هي تعاكس ماضيكم وتاريخكم العظيم وانقطاع غير محمود عنه وهذا هو احد الأسباب الجوهرية فيما تعيشونه من تخلف وترد ، تأخذكم كل موجة مأخذها حتى صار الكثير منكم تابعين لا رائدين ، مقلدين لا متأصلين ، مصفقين لا معترضين .فقد روي عن برلمانكم في العهد الملكي إنه برلمان ( موافج ) أي موافق ، إلا من رحم ربك ، حيث يقال إن أحد البرلمانيين كان ينام في الجلسة و( يشخر ) وقد أوصى مرافقه إن حل وقت التصويت ، وكان المشروع تؤيده الحكومة ، أن يرفع يده بالموافقة على المشروع وكذا الحال في المجلس الوطني في النظام السابق الذي شعاره : نفذ ثم ناقش واستدلاله على ذلك بسؤال استنكاري : هل نحن أفهم من السيد الرئيس ؟! أما في برلمانكم الديمقراطي الفدرالي الشفاف فترى العجب العجاب حيث يكثر فيهم الجدل ويقل عندهم العمل فيتفقون على أن لا يتفقون وإن احترق الوطن والمواطن  حيث عيون السادة النواب على رؤساء كتلهم ينتظرون الإشارة ، وكل جماعة لهم لغز خاص سواء بالموافقة أو الرفض ، حيث أن السادة نواب الشعب قد انتخبوا      ‘‘ الزبدة ’’ من نواب كتلتهم أو نواب نواب الشعب وهم في كل كتلة يعدون على  الأصابع وبذلك تعيرون جماجمكم للآخرين ليسطروا عليها ما يشاءون ويقتادونكم من جحيم إلى الجحيم وانتم منومون ومغيبون .

     لقد كان أجدادكم في حضارات وادي الرافدين ، في ذلك الزمن البعيد ، وتد الأرض ومركز الكون ومنها نشأت وانطلقت المعارف إلى الدنيا ، فقد اخترعتم الكتابة والتدوين وبذلك افتتحتم تاريخ الإنسانية ، ولم تعجزكم الطبيعة القاسية وجوها المتقلب ، ولا انعدام المعادن الضرورية ، ولا الفيضانات المدمرة لأنهاركم العظيمة في غير أوانها ، فأخضعتم الطبيعة وتحديتموها تحدي المقتدر محولين شططها وطغيانها إلى نعمة فأعمرتم الأرض وصنعتم حضارة وثقافة سادت العالم ونظمتم الحياة بقوانينكم الشهيرة ، ولم يقدر لهذا الأمر الحدوث لولا صبر أجدادكم وسعة أفقهم وتحديهم وبحثهم المضني والمتشعب عن إشكالات الإنسانية فتوصلوا إلى زبدة الأشياء وخلاصاتها المفيدة المتجددة فلم يقفوا عند حد ، ولكن هذا لم يأتي إلا بعد جهد جهيد وبحث مفيد وتساؤل عنيد وقد حافظوا عليها دهورا لأنهم لم يحصلوا عليها بالهين وإنما بكد وعرق ودم ، بل وصلوا إلى أبعد من ذلك كما تحكي ملحمتكم العظيمة ( عن گلگامش الذي رأى كل شيء ) والذي تحدى الأشياء وبنا سور ( أوروك ) وصارع ( أنكيدو ) الذي أرسلته الإلهة لمناجزته وصادقه ، ليقتلا معا الثور الذي أرسلته للانتقام . كما سافر إلى البحر المحيط بالعالم ليأتي بنبتة الحياة له ولشعبه فكنتم حقا شعب الخالدين ، شعب الاستمرار والنماء . فما الذي جرى لكم ؟!

    تركه أعضاء المقامة إلى أن تمالك جأشه وسيطر على أساه . فأجابه مواطن من أعضاء المقامة وواساه :

على مهلك أيها الحكيم . لقد ابتلينا منذ قرون بثقافة التجهيل والتضليل ، ومنطق التبرير والتسويف وحكام الترغيب والترهيب والتخويف ، جاعلين من هزائمهم انتصارات ومن وحشيتهم تمدن ومن تخلفنا رقيا وتقدما ومن الخرافة علما ومن العلم بدعة ، حتى صرنا نشك بابتلائنا بلعنة أشد من لعنة الفراعنة تلاحقنا جيلا بعد جيل ، فطلبنا الزبدة عن غير عناء بعد أن كلت عقولنا وأنفسنا .

    قال الحكيم ، العراقي العريان :

يبدوا إن منطق العجز والتبرير قد صدأ عقولكم ودجنها إنكم لا تطلبون الزبدة بل الزبد والزبد يذهب جفاء . وإلا فكيف تطلبون المن والسلوى من دهاقنة التسويف والتبرير ، تاركين النقد والتجديد والتنوير ؟! وكيف اقتنعتم بطلب الحليب من   الثور ؟! كل ذلك لأنكم استسهلتم الأمور . تنامون تحت النخلة عسى أن يتساقط عليكم رطبها جنيا . لا حل لكم ولا أمل سوى العودة إلى سيرة أجدادكم الذين صنعوا الحضارة وابتكروها في فجر التاريخ وذلك بوضع كل الأمور على المحك والتحدي الايجابي للصعاب وبذلك ستكونون كما كان أجدادكم تنتجون زبدة الأشياء عندها سيذهب الزبد جفاء ولا يمكث عندكم إلا ما ينفع الناس بذلك تعود بلاد الرافدين صانعة الحضارة والثقافة والتمدن ، وقد تهدون إلى العالم الذي أمتلئ بالوحشية والخواء حضارة جديدة كما فعل أجدادكم ، فيكتب عنكم مستقبلا : لقد أنقذ العراق العالم مرتين .

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 الصفحة الرئيسية | مقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | أرشيف الأخبار | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

 
 

 

لا

للأحتلال