<%@ Language=JavaScript %>
   

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين          

 

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                        

 
 

 

 

لا

للأحتلال

 

 

الطائفية

 

قراءة فيها وتصحيح لبعض مفاهيمها

 

رمزي العبيدي

كاتب عراقي مقيم في دمشق

         أنا بطبعي أبغضُ العموميَّات وأمقُتُ التعميم في التعبيرات الكلامية والكتابية ، ولا أعمِّم أبداً إلا جاز التعميم في مواضعه المحدودة ، وأكره مصطلحاتهما كرهاً شديداً ، أكرهها كمصطلحاتٍ كتابية أو تعبيرات كلامية فقط ، ولا أكره مستخدميها ، فقلبي لا يعرف أنْ يكره البشر[1] ، لأنَّني إنسانٌ سمَوْتُ بنفسي ونأيْتُ بها عن الضغائن والأحقاد .

         ولا بُدَّ هنا من التمييز بين المصطلحات العامة وبين العموميات والتعميم ، بمعنى أنَّ المصطلح العام لوحده غير مكروه عندي إلا إذا عُمِّم وفُرِضَ على الغير ، بأنْ ألزمهم مستخدمه به ، فمصطلح ( الشرف ) ـ مثلاً ـ واحد من آلاف المصطلحات العامة الموجودة في لغتنا العربية الجميلة ، إلا أنَّ هناك مَن شوَّهه وعبثَ به وزيَّفه ، كالذي قال عندما سُئِلَ ما رأيه بالموضوع الفلاني ؟ : ( إنَّ رأيي بهذا الموضوع هو رأي كلِّ عربي شريف أو عراقي شريف أو أيِّ شريف في الأمة الكذا ....... ) ، وهذا معناه في مبناه ومضمونه : إنَّ مَن يُخالِف هذا الشريف ! ـ صاحب الرأي ـ في رأيه المطروح هو غير شريف أو منزوعة منه صفة الشرف ! ، وهو بذا عمَّم هذا المصطلح العام عليه وعلى مؤيِّدي رأيه ، وحجبه ونزعه عن الآخرينَ من مخالفيه ، وهنا يكمن التشويه والعبث والتزييف .

وعكس هذه المصطلحات العامة هي : المصطلحات الخاصة ، أو المخَصَّصة لمعنىً ما من المعاني المحدَّدة ، ومنها : مصطلح ( البارحة ) ، وتعني الليلة من أمس ، لا كما يستخدمها أحدهم في قوله : ( البارحة صباحاً ) ، وكذا قوله مخطئاً : ( ليلة البارحة ) ، لأنَّك ـ كما قلنا ـ عندما تقول : ( البارحة ) ، فإنَّك حتماً تعني الليلة من أمسِ فقط ، لا ليلة غيرها في أيِّ يومٍ ، ولا أيِّ وقتٍ آخرَ من هذا الأمس ، ولا يمكن لأيِّ واحدٍ من الفهَّامينَ والأذكياء أو من الأغبياء والحمقى ـ سيَّان ولا فرق ـ أنْ يعمِّم مثل هذا المصطلح الخاص .

أريد أنْ أقول في أو من هذا الاستطراد وأوصِّل لك : إنَّ الطائفية مصطلح عام في شكله ومضمونه ، منسوب إلى الطائفة ، وهي : الجماعة من الناس الذينَ يجمعهم رأيٌ أو مذهبٌ يمتازونَ به عن غيرهم ، وقد تكون القطعة من الشيء ، وقد تكون مؤنثة الطائف ، وتجمع على طائفات وطوائف ؛ والطائفية التي أكتب عنها اليوم أو أعنيها وأتعرَّض لها هي ما ارتبطَتْ بالأديان منها ، وبذا تكون منسوبة إلى الطائفة بمعناها اللغوي الأوَّل الذي أشرْتُ إليه هنا ، ليتطابق معناها الاصطلاحي معه بنسبة كبيرة .

         كذا لن أتعرَّض أو أبدي رأيي في أيِّ طائفة منسوبة لأيِّ دينٍ سماوي وغيره ـ لا لعجزي عن المحاججة والمجادلة ، ولا لخوفي من هذا الطرف أو ذاك ، فقد ألمحْتُ قبلاً في مقالةٍ سابقةٍ لي : إنَّني رمَيْتُ خوفي وراء ظهري ، وإنَّ حياتي لمْ تَعُدْ تهمُّني ، كما كان عهدي في سابق أيَّامي ـ لأنَّني أناقش الطائفية بمفهوميها اللغوي والاصطلاحي ، لا بمفهومها الفكري لدى كلِّ واحدةٍ منها وفي أيِّ موضع .

         تعوَّد كلُّ الطائفيينَ الديَّانينَ في كلِّ مكانٍ عامة ، وفي العراق خاصة ، ومن كلِّ الأديان ؛ أنْ ينفوها عنهم ، وينكرونها فيهم ، بلْ وحتى يستنكرونها عند غيرهم بعباراتٍ رشيقة دقيقة لها مكانٌ أو موضع في درجات الجمال النسبي ؛ ليعودوا فيؤكِّدوها فيهم أو على أنفسهم ، من خلال نفس اللغة وفي نفس الوقت ، عندما يصلونَ إلى الحديث عن طائفتهم التي ينتمونَ وينتسبونَ إليها .

أنا لسْتُ مثل هؤلاء ، لأنَّني لا أنكرها فِيَّ ، ولا أستنكرها عند غيري ، ولا أنفيها عن نفسي ، بل أعترف بها أو بأنَّها موجودة في مجتمعٍ أجبرنِي القدر وسوء الحظِّ أنْ أكون جزءاً منه ، بغير اختيار أو رغبة منِّي ؛ فقد حاولْتُ أنْ أكونَ بلا دينٍ ، أو علمانياً كافراً كما يطلق عليَّ الديَّانونَ من أيِّ دين ـ ولا أريد التخصيص لأنَّني أكتب بشكل عام ، كما قلتُ ، ولو أنَّ التخصيص مهمٌ هنا ، لكنَّني لن أخصِّص ـ أو علمانياً متفتِّحاً كما يطلق عليَّ الآخرونَ غيرهم ؛ وبذا يحكم عليَّ الكلُّ أنَّني لسْتُ طائفياً ، هم يحكمونَ لا أنا ، وليسَتْ عندي بضاعاتٌ رخيصة ، كالتي عند غيري من مدَّعي هذه العلمانية المبتلاة بادِّعائهم لها .

وعليه فإنَّ الطائفية تتوزَّع في كلِّ الأديان بينها مجتمعة ، وفيها ـ أي في داخل الواحد منها ـ مخصَّصة أو متخصِّصة.

فيُقَال عن الإسلام طائفة ، وعن المسيح طائفة ، وعن اليهود طائفة ، وعن كلِّ دينٍ من الأديان كلِّها ـ السماوية وغير السماوية ـ طائفة ؛ عندما تُقارَن ببعضها ، وتربط الطائفية بين الأديان دائماً بما يُقَالُ له ( الفتنة ) التي توصل في آخرها إلى الدم والقتل وتشويه الإنسانية ومعانيها السامية .

وداخل الدين الواحد ، ولنأخذ الإسلام مثلاً ، يُقَال : الشيعة الإمامية طائفة ، والسنة طائفة ، والمعتزلة طائفة ، والأشاعرة طائفة ، والدروز طائفة ، والعلوية طائفة ، وغيرها كلُّها .............. طائفة ، ولبعض هذه الطوائف فروع أو جزاء ، يسمِّيها البعض مجازاً أو حقيقة ـ كلُّ حسب فكرته عنها ـ طائفة ، فمثلاً : يُقَالُ عن الخوارج طائفة ، وهم فرقة من الشيعة الإمامية اختلفَتْ معهم لسببٍ ما ، أو لآخر تاريخي لسْتُ بصدد ذكره ومناقشته ، وكذا يُقَال عن السلفية مع السنة والجماعة ، وهناك أمثلة أخرى لن أذكرها ، كي لا أتشعَّب وأخرج عن الموضوع ؛ والغريب أنْ ترتبط الطائفية هنا داخل الدين الواحد أيضاً بـ ( الفتنة ) وبنفس معانيها التي أشرْتُ إليها قبلاً .

إذن فالطائفية موجودة داخل كلِّ الأديان ، وقد أخذْتُ الإسلام مثلاً لها لسببينِ اثنينِ ، أولهما : أنَّها ظاهرة أو واضحة فيه أكثر من غيره من الأديان ؛ وثانيهما وهو الأهم : إنَّها بقيَتْ فيها الدموية والوحشية إلى اليوم ، بينما تخلَّصَتْ منهما بقية الأديان ، بالاعتبار والنظر ما حصل في أوربا من أحداث دموية ووحشية أيَّام القرون الوسطى أو في تاريخها القديم ؛ قولوا لي بربِّكم : هلْ سمع أحدكم اليوم أو في أمس القريب وفي الأحداث الطائفية التي حدَثتْ في العراق ، عن شخصٍ قُتِلَ أو عذِّبَ أو مثِّل بجسده أو جثمانه في كنيسة أو معبدٍ أو دار عبادة لأيِّ دين غير الإسلام ؟ ، وما أكثر ما سمعْنا عن المقتولينَ والمعذَّبينَ والمُمَثَّل بأجسادهم أو جثامينهم في الجوامع والحسينيات الإسلامية ! ؛ وكذا ينطبق ذا الكلام على الأحداث الطائفية بين المسلمينَ والمسيحيينَ في مصر ، فالمسلمونَ يهجمونَ والمسيحيونَ يستغيثونَ ، فهل سمعتهم ـ وبربِّكم أيضاً ـ هناك عن تفجير أو حرق ٍ لجامع من جوامع المسلمينَ ؟ ، وما أكثر ما سمعنا عن تفجيراتٍ وحرق ٍ للكنائس ! ، ولو راقبْتُم المقتولينَ لوجدْتُم أنَّ أغلبهم من المسيحيينَ ، والقليل المقتول من المسلمين ، تجده قُتِل بيد جماعته ، أو عن طريق الخطأ منهم أيضاً ، لتُلصَق تهمة بالمسيحيينَ ، وقد يكونُ قاتله مسيحياً ، لكن دفاعاً عن نفسه .

لن أناقش ما ذهب إليه بعض العلمانيينَ واستنتجوه من أنَّ الإسلام ليس ديناً ، بل هو فكرة لرجلٍ كان يعتزل عن الناس في غار ( حراء ) ليتأمَّل ويفكِّر ، قلتُ : لنْ أناقشهم فيما ذهبوا إليه أو استنتجوه ( لغايةٍ في نفس يعقوب ) [2] ، أو في نفسي ، فأنا وهو بشرٌ خلقنا الربُّ كما خلقنا .

ولا عبرة عندي لذا المثل الذي يقول : ( اختلاف الآراء لا يفسد للودِّ قضيَّة ) ، لأنَّ به أو فيه تعميم لا مبرِّر له ، فلا اعترف أو أؤمن به ، ولا أصدِّقه بل أكذِّبه وأطعن فيه ، من خلال ما رأيته أو لمسته من تطبيقاته العملية بين الناس وفي الحياة ، وأرى وأعتقد أنَّ يجب أنْ يكون مكتوباً في واحدٍ من الأشكال التالية التي بغيرها يوصل اختلاف الآراء إلى القتل والدم والكوارث :

  1. ( اختلاف الآراء لا يفسد للودِّ قضيَّة عند العقلاء والمتسامحينَ من البشر فقط ) .

  2. ( اختلاف الآراء قد لا يفسد للودِّ قضيَّة ) .

  3. ( اختلاف الآراء لا يفسد للودِّ قضيَّة أحياناً ) .

***

         وعن فكرة ( التعايش السلمي ) التي يتبجَّح بها كثيرٌ من المتبجِّحينَ ، أقول : إنَّني لم أسمعْ بهذا التعايش السلمي ، ولم أشاهدْهُ ، ولم أدركْهُ ، إلا عند الغرب في عالمه المتحضِّر ، أمَّا في مجتمعاتنا المتخلِّفة فيالَ المهزلة .

لم يبقَ إلا أنْ أقول لكم : إنَّني قد سمَّيْتُ المسمَّيات بأسمائها ، من غير تزييف أو تحريف أو تدليس ولعبٍ بالألفاظ ؛ اشتموا فيَّ ما بدا لكم ، وكفِّرونِي إنْ أحبَبْتم ، واتهمونِي بما لديكم ممَّا فيَّ وليس فيَّ ، وقولوا عنِّي ما شئتم ؛ أو امدحوني ، واثنوا عليَّ ، وهلِّلوا لي ، وأشيدوا بموضوعيَّتي وصدقي ؛ فالأمرُ سواءٌ عندي ، لأنَّني لا أهتمُّ بالشتائم ، فقد تعوَّدتْ عليها ، وعلَّمْتُ نفسي الصبر على ناطقيها ، فلمْ أرُدَّ ولن أرُدَّ ـ في المستقبلينِ : القريب والبعيد ـ على قائليها ، حتى لا أنزل إلى مستواهم ومستواها المتدنِّيينِ ، كما أنَّني لا أغترُّ بالمديح ولا أعيرهُ اهتماماً أيضاً .

***

 

 

للتواصل مع الكاتب يرجى الكتابة إلى :

Ramzee_Alobadi@Yahoo.Com

Ramzee_Alobadi@Yahoo.Com

 

          


 

[1]. اثبتَ العلم الحديث أنَّ المشاعر الإنسانية : ( الحب ، الكراهية ، الفرح ، الحزن ، ............... ) ، وكذلك الإحساسات الشعورية : ( الجوع ، العطش ، النعاس ، الوجع ، الخوف ، الفزع ، ................. ) ، وبقية ما هو متعلق بالنفس البشرية كروح وجسد ؛ لا علاقة للقلب بها ، لأنَّ القلب عضلة صمَّاء ؛ وكلُّها يحرِّكها ويوعز لها العقل البشري ؛ لكن جَرَتِ العادة أنْ رُبِط بعضها بالقلب ـ خاصة المشاعر الإنسانية ـ وتعوَّد الكُتَّاب والأدباء والشعراء على ذلك ، وأنا مثلهم .

[2]. مثل عربي أصله من قرآن المسلمينَ ، فقد ورد في سورة يوسف ـ الآية (68) : حاجة بدل غاية .

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany

 

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا