د.وسام جواد الإمام الغائب والنضال الكاذب..

 

الإمام الغائب والنضال الكاذب..

 

د.وسام جواد 

 

قد تكون ظاهرة الخيانة والاستسلام وسرقة أموال الحزب,التي تفشت بين القيادات البعثية بعد الاحتلال, غير متوقعة لبعض المنتمين اليه والمؤيدين له, إلا أنها لم تكن كذلك بالنسبة للقوى,التي عانت من وظلم وجور الأجهزة القمعية لحزب البعث اثناء فترة حكمه. ولم تشكل الفضائح,التي كشف عن خباياها وخفاياها البعثيون أنفسهم, مفاجأة لذوي ورفاق الضحايا من الكوادر الحزبية, التي صُفي حسابها, بقطع رقابها, لمجرد الاختلاف في وجهات النظر أو الخروج عن الطاعة العمياء للخط المتنفذ والمدعوم من قبل أطراف, نجحت في توجيه قيادة الحزب نحو خلق مناخ الإرهاب السياسي لتفرقة القوى الوطنية وتوريط النظام بحروب مدمرة, أدت الى إضعاف العراق وحصاره ومن ثم احتلاله.  

 

ان التخبط الواضح في سلوك بعض فاقدي الصلاحية ( ( expired من البعثيين الذين لاهَمّ ولا غمّ لديهم سوى توجيه الإتهامات بالخيانة والعمالة والجاسوسية لرفاقهم المطالبين بمراجعة المرحلة السابقة, دليل على استمرار نهج التكبر والتجبر والتهور في تعاملهم مع منتقديهم, ومؤشر على عدم استيعاب متطلبات ظروف ما بعد الاحتلال,المتمثلة في ضرورة الحوار الايجابي بين البعثيين أولا, ومع باقي القوى الوطنية المعارضة للإحتلال ثانيا, لمعالجة الإنقسامات, ووضع حد للخلافات, والعمل الجاد على معالجة آثار النكبة. وما تلفيقات وزيف ادعاءات المهزومين عن دورهم المزعوم في قيادة حزب البعث والمقاومة ونفيهم لمسؤوليتهم عما حصل للعراق وشعبه, سوى محاولة عقيمة, لتبرير الهزيمة, وطمس الجريمة, تدفع بهم الى الكذب والثرثرة المملة والمبالغة المُقرفة في اظهار الجوانب المشرقة لنظام حُكمٍ طغا وانتهى, بدلا من الاعتراف بالأخطاء القاتلة وفهم الأسباب,التي أدت الى الخيانة والاستسلام الجماعي المُذل للقيادات البعثية المطلوبة لقوات الاحتلال.

 

لم يكن الواشي بصدام حسين وأولاده منتميا الى حزب سياسي أو ديني معارض للنظام, بل كان بعثيا. ولم يُسلم القطع الشمالي غير"القائد"عزت الدوري,الذي اطلق العنان لساقية قبل اطلاق الرصاص على العدو. ولم يُمرر دبابتين للعدو الى وسط بغداد إلا اولئك الذين لم يسمحوا بالأمس بمرور ذبابة, فما بالك بدبابة ؟.  والأنكى والأدهى من هذا وذاك هو كذب وتلفيق المُنظرين لجعل المٌغفلين يصدقون بوجود "إمامهم الغائب" شيخ المجاهدين, أمير المؤمنين, المتوكل, المنتصر بالله, ظل الله على الارض, المجاهد المؤمن, القائد الأعلى لجبهات التحرير, الأمين المأمون, المهيب الركن, فارس جيوش المسلمين, سيد الغر الميامين, المظفر الصنديد, حفظه الله ورعاه. ودوره القيادي للمقاومة الوطنية, بعد هربه يوم كان "إماما حاضرا".

 

لعبت الاتصالات,رغم بساطتها في زمن الفتوحات الاسلامية, دورا مهما في التنسيق بين القادة العسكريين. أما وقد قطع العِلمُ أشواطا تكاد تحاكي الخيال, فإن من غير الصعب اعتماد الوسائل الحديثة كالفيديو لتصوير وتسجيل صوت"أمير الهاربين"بين حين وآخر, لطمأنة قاعدة المساكين بوجود "قادتهم الميامين", إلا ان ذلك لم يحصل لأحد احتمالين: إما ان يكون ظلام الجحر أو السرداب, الذي يقود منه المقاومة إمام البعث المُنتظر ( وسّع جحوره, وعجّل ظهوره ) دامسا الى حد يصعب معه التصوير, وإما ان يكون هذا الإمام الغائب خرافة, يُروج لها اولئك المُنظرون الواهمون بعودة الماضي, والحالمون بتسلم السلطة ثالثة.  وفي كلا الحالتين, لا حاجة للبعث بقائد, لم يَمشق حُسامه, ولم يطلق سِهامه,على عدو أمامه, جاء ليُسقٍط نظامه, ويفرض بالقوة أحكامه.

 

وخلافا لما ينشره المنظرون,المعروفون بغطرستهم وقلة مستوى وعيهم السياسي, نجد ان بعض البعثيين الواقعيين قد اخذوا ينشرون الآونة الأخيرة مقالات لا تخلو من الجرأة والموضوعية في تناول ما ارتكبته القيادات من أخطاء كارثية, وما وقع من تشرذم وانقسامات في صفوف حزب البعث, وراحوا يكتبون عن فضائح سرقات مئات الملايين من الدولارات الخاصة بالحزب ( يحق للمواطن ان يسأل عن مصادرها..! ).

 

لا يصعب فهم أسباب الخوف,الذي يكتنف البعض, ودواعي رفضهم مراجعة وإعادة تقييم المرحلة السابقة, فهم يمثلون جزءا من تلك الشريحة,التي تفوح منها رائحة الجريمة منذ 8 شباط 1963, والتي لم تنل عقابها,الذي تستحقه بسبب تغلبها, بل لتقطيعها شرائح البعث الوطنية الرافضة لحمامات الدم وأساليب القمع والإرهاب السياسي .

 

لقد بينت سنوات ما بعد الحرب,صدق توقعات الأطراف الوطنية حول نوايا الاحتلال الصهيو- أمريكي والدور الخياني للقوى المتعاونة معه والمؤيدة له. وعلى الرغم من الدعوات المخلصة والمتكررة لهذه الأطراف الى توحيد القوى الوطنية في جبهة النضال المشترك من أجل التحرير وطرد الغزاة, إلا ان مواقف "المبشرين" بظهور القائد الغائب لقيادة النضال الكاذب من أحد سراديبه وإن عرقل مسيرة توحيد القوى الوطنية,لكنه لن يتمكن من ايقافها بفضل الوعي المتنامي لأبناء الشعب العراقي وارادة الجيل الجديد في إختيار قادة وطنيين وحاضرين في بناء عراق ذو مناعة قوية ضد أمراض الطائفية وعقم التنافس الحزبي.  

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

|  الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

 |  الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

  

مقالة للكاتب

د. وسام رسول

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الصحفيين والكتاب العراقيين

webmaster@saotaliassar.org    للمراسلة

 
 
 

 

لا

للأحتلال