<%@ Language=JavaScript %> يوسف علي خان ذكريات من الماضي
   

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين          

 

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org               مقالة للكاتب يوسف علي خان                    

 
 

 

 

لا

للأحتلال

 

 

 

ذكريات من الماضي

 

 

يوسف علي خان

 

لقد وجدت من المفيد ان اقدم وصفا مختصرا وصورة حقيقية للمجتمع العراقي عن فترة اعتبرها اهم الفترات في حياة المجتمع خلال العصر الحديث المتمثل في القرن العشرين وما اكتنفه من تحولات وفعاليات قد تعطي انطباعا جيدا في اذهان الجيل الجديد الذي لم يحالفه الحظ للعيش فيها لصغر سنه وانا اذ اقدم هذا الوصف كرجل مخضرم ومحايد عاش تلك الفترة بايجابياتها وسلبياتها ولا زلت حي ارزق حتى لحضة كتابة هذه الاسطر ما قد اكون اكثر توفيقا في وصف تلك المرحلة عما يقدمها نقلا من الكتب او استنباطا من وجهة نظر الاخرون00 والتي قد تعطي انطباعا مشوها او مشوشا على عكس من عاشها في دواخلها وغار في خفاياها 00 فقد اجد فترة الخمسينات من تلك الفترة الفيصل بين ما كان عليه المجتمع قبل الاستقلال وتأسيس الدولة العراقية  الحديثة وبين ما حصل من تحول بعد تأسيس الجمهورية في 14 تموز والتي غيرت في خارطة المجتمع تغييرا كليا مهما يكن من وجهة نظر المحللين والباحثين وانطباعاتهم عنها 00 فلكل انسان وجهة نظر تتأثر بالموقع الذي هو فيه او بالبيئة التي عاش فيها والشريحة التي ينتمي اليها فقد تختلف كثيرا عن بعضها عتمة واشراقا 00 وعلى اية حال فللقاريء الكريم حرية الحكم فيما يراه مطابقا لقناعاته عن تلك الفترة او مخالف لها فالناس احرار فيما يتخذونه من مواقف 00  فالمجتمع العراقي وخلال الخمسينات كان يتكون من ثلاثة شرائح طبقية ولكن مع ذلك فسكان الجنوب والوسط يختلفون اختلافا جذريا عن سكان الشمال بضفتيه العربية والكردية فلكل ضفة طبيعة اجتماعية مختلفة 00 اما المجتمع الجنوبي ومنذ تأسيس الدولة العراقية كان يتكون من طبقة الفلاحين في غالبيته العظمى الذين يعتمدون على الزراعة او على تربية الحيوانات والاستفادة من نواتجها وسكان الاهوار يعتمدون على صيد الاسماك وهؤلاء مرتبطين بالارض التي كان يمتلكها الشيوخ ويسيطرون فيها على كل شيء ويتحكمون بمقدرات سكانها من الفلاحين الذين يعملون لصالحهم وليس لهم فيما ينتجونه إلا ما يقدمه لهم الشيوخ وما يسد الرمق ويذهب معظم جهدهم لصالح اؤلائك النفر من الشيوخ وليس لهم في اراضيهم سوى اكواخ من الطين يبتنونها بانفسهم ونزر قليل من المال كثيرا ما يقترضونه من ولاة امورهم كي يدفعونه من عرق جبينهم في الموسم القادم 00 ويتوارث الشيوخ السلطة على المناطق ابا عن جد  ومن بعدهم للاحغاد وهكذا دواليك 00 وعلى الفلاحين السمع والطاعة 00 وقد ظهرت شريحة وبرز تأثيرها بعد ان تشكلت الحكومة العراقية وتأسس مجلس النواب والاعيان حيث اصبح جميع الشيوخ اعضاء فيهما فاضطروا لمغادرة مدنهم واراضيهم والانتقال الى بغداد والاقامة فيها  لمباشرة الدوام في احد المجلسين مما اضطرهم لتوكيل اشخاص ينوبون عنهم في رعاية مزارعهم حيث اطلق على تلك الشريحة بالسراكيل 00 وهم وكلاء الشيوخ في مناطقهم 000و شيئا فشيئا اخذ نفوذهم يقوى بما منحهم الشيوخ من صلاحيات التصرف المطلق مع الفلاحين فاخذوا يتعاملون معهم اسوأ تعامل وساموهم سوء العذاب وافضع مما كان يتعامل معهم نفس شيوخهم مما دفع العديد منهم الى الهرب والمجيء الى بغداد اولا للتخلص من السراكيل  خاصة في الاربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي وثانيا للبحث عن عمل في العاصمة كفلاحين في حدائق بعض الدور او عمال بناء او عمل تنظيف في المؤسسات الحكومية او امانة العاصمة وغير ذلك من الاعمال البسيطة التي لاتحتاج الى مهارة معينة 00 وقد ابتنوا الاكواخ لهم بين الدور في باديء الامر ثم لما كثرت اعدادهم بنوا المجمعات السكنية من الصرائف في منطقة الصرافية ثم في الشاكرية وبعدها خلف السدة حتى اصبحوا اعدادا هائلة واستمر حالهم حتى مجيء عبد الكريم قاسم حيث وزع عليهم اراضي الثورة فانتقلوا اليها 00 اما في الشمال في الموصل او في المناطق الكردية  فقد كانت احوال الفلاحين جيدة قياسا لاحوال اهل الجنوب وهكذا كانت اوضاع الشريحة الاولى من الشعب العراقي 00 اما الشريحة الثانية فهي الطبقة المتوسطة او كما اطلق عليها مجازا بالطبقة البرجوازية فهي طبقة الحرفيين والموظفين والمثقفين 00 وهي فئة احسن حالا من الفلاحين والعمال نسبيا فهي مكتفية ذاتيا بما يتوفر لها من موارد حرفها او رواتب حكومية فاستطاعت ان تلعب دورا مهما داخل المجتمع العراقي 00 اما الشريحة الثالثة فهي طبقة الاثرياء والوجهاء وتتكون من الشيوخ والتجار واصحاب المراكز الحكومية الرفيعة من الوزراء واعضاء البرلمان والمدراء العامون وغيرهم 00فمع كونهم قلة من الناس غير انهم يمتلكون السلطة والمال ويتحكمون بمصائر البلد لما يتمتعون به من نفوذ مؤثر 00 وما يهمنا مما تقدم هو طبيعة الحياة الاجتماعية  خلال تلك الفترة وكيف كان الناس يعيشون ويقضون اوقاتهم وما هي الفسح والمجالات التي كان بامكانهم ان يتحركوا من خلالها ودرجة الحريات المتاحة لهم 00 وسابين بعض من ملامح تلك الحياة التي كان يعيشها الشعب 00 والتي تميزت فيها الطبقة المتوسطة بنشاط كبير بينما بقيت شرائح العمال والفلاحين منهمكة في معمعة الحياة وفي مجالات ساأجل البحث فيها الى مقال اخر غير ان طبقة الاثرياء كثيرا ما شاركت الطبقة المتوسطة في معظم نشاطاتها الاجتماعية ولربما لانستطيع الفصل بينهما لشدة الترابط والتشابك مع الفروق المالية المتباينة  او الدرجات الوظيفية المختلفة 00 فلقد تمكنت العديد من المؤسسات الاجنبية من فتح وتاسيس المراكز الثقافية والنوادي الاجتماعية والجمعيات الانسانية وقامت بالعديد من النشاطات والفعاليات التي مكنت ابناء الطبقة الوسطى والطبقة الرفيعة من الاستفادة منها والاستمتاع ببرامجها وما قدمته من خدمات لاسعاد الناس واراحتهم من خلال تلك المراكز كما فسحت الحكومة للكثير من منظمات المجتمع المدني من انشاء الجمعيات  التي لعبت دورا كبيرا بالترفيه عن منتسبيها الذين وصلت اعدادهم الالاف 00 فقد تأسست في الخمسينات من القرن الماضي جمعية مكافحة العلل الاجتماعية التي انشأتها السيدة سارة الجمالي زوجة رئيس الوزراء السابق فاضل الجمالي الامريكية الجنسية حيث قامت تلك الجمعية بتقديم العديد من الفعاليات والبرامج الترفيهية حيث كانت تقيم الحفلات الغنائية والموسيقية الشهرية في قاعة الملك فيصل في باب المعظم او في ساحة الاتحاد النسائي صيفا كما كانت تقيم السفرات المستمرة الى المناطق المهمة في العراق كما كان لها حفلة اسبوعية لسماع الموسيقى الكلاسيكية وقد اقتصر القبول في تلك الجمعية على الطبقة المتوسطة والمثقفة من الناس وكذلك الطبقات الوجيهة في المجتمع كذلك كان للاتحاد النسائي دور في اقامة الحفلات الترفيهية المستمرة كما كان هناك النوادي التي قدمت هي الاخرى وسائل الراحة والترفيه مثل النادي الاولمبي في الاعظمية الذي كان يفتح ابوابه يوميا لاستقبال المثقفين للجلوس والتحدث وتناول المرطبات او الطعام كما كان يؤمه العديد من الرياضيين لتوفر مختلف الساحات الرياضية فيه 00 كما كان المجلس البريطاني وبغض النظر عن اهدافه السياسية فقد قدم الكثير من الكتب المفيدة وفتح هو الاخر اابوابه يوميا لكي يضم العشرات من طلاب الكليات القريبة منه خاصة طلاب دار المعلمين العالية في الوزيرية كما انشأت الكثير من النوادي الاهلية التي ضمت اعداد كثيرة من المنتسبين من الذكور والاناث دون أي تمييز ودون حواجز او شرانق ومع ذلك لم يكن يحدث ما يسء الادب او يخدش الحياء000 ومما يجدر ذكره ان هذه النوادي كان يحضرها من كل الاطياف والمراكز فقد كان يحضرها الوزير والمدير العام ليجلس مع الاخرين وعلى نفس طاولتهم دون أي تحفظ ويحادثهم بكل حرية ويلعب معهم الشطرنج او الدومينو او الركت دون تكليف او حماية او منطقة خضراء او حمراء كما كان المسبح الذي كان يقيم الحفلات المستمرة وباسعار مناسبة ونادي الرفق بالفقير الذي كان يقدم برامج متنوعة من الالعاب الدمبلة والموسيقى اضافة الى ناديي Ymca—wmca ) اللذان قدما الخدمات الكثير ة وقد تم اغلاقهما بعد ثورة 14 تموز فاختلطت السياسة بالحياة الاجتماعية وهو سبب دمار هذا البلد ومع ذلك فقد استمرت معظم النوادي قائمة حتى بعد ثورة 14 تموز وقد مارست الرابطة عملها بصورة علنية حيث قامت بدور كبير في انعاش مختلف النشاطات الاجتماعية والترفيهية واقامت المهرجانات المتعددة فلقد كان لرئيستها الدكتورة نزيهة الدليمي صاحبة الفكر الثاقب والمثقفة العظيمة التي لعبت دورا مهما في محو الامية وساهمت في خدمة الحركة النسائية وانتزاع الكثير من حقوق المراة واخراجها من القمقم 000فقد قامت الرابطة بدور ايضا في تقديم البرامج الترفيهية باقامة الحفلات واعداد السفرات فكانت بحق وحقيق زعيمة المراة بكل ما في الكلمة من معنى ومهما اصابها من انتكاسات فسوف يبقى اسمها علما ورائدة لحقوق المراة والثقافة في العراق 00 ولكن ومما يؤسف له كثيرا فان كل مظاهر التحضر والتنور التي عاشها العراق قبل نصف قرن قد غابت اليوم وتلاشت وبدلا من ان يتقدم العراق خطوات الى الامام فقد تراجع عشرات الخطوات فان تلك الجمعيات والنوادي كانت تمثل معلما حضاريا كبيرا ومنافذ ترفيه للشعب العراقي 00 وكان من الاجدر اشراك الشرائح المسحوقة من الفلاحين والعمال بعد رفع مستواهم الثقافي والحضاري لكي يكون كل ابناء الشعب في مستويات متقاربة يشتركون سوية في تلك الميادين الترفيهية والتثقيفية000 تراجع الجميع الى منزلقات الجهل والتخلف واغلقوا كل تلك الجمعيات والنوادي وحل في البلااد هذا الخراب الذي لامثيل له إلا في البلدان الموغلة في الجهالة واصبح من الصعب حتى ان نعود الى ما كنا عليه في الخمسينات من القرن الماضي مع الاسف الشديد 000!!!

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany

 

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا