<%@ Language=JavaScript %> سليمان تقي الدين الشرعية الدولية القاصرة
   

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين          

 

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                        

 
 

 

 

لا

للأحتلال

 

 

الشرعية الدولية القاصرة

 

 

سليمان تقي الدين

 

 

قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة مطلع الألفية الثالثة: “دعم مبادئ الكرامة الإنسانية والمساواة والعدل والسلم، وحق الشعوب في تقرير مصيرها، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، واحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية” .

 

بعد عقد من هذا الإعلان الذي اكد المواثيق السابقة كان العالم يشهد وقائع مخالفة . بدأت الألفية الثالثة بالحرب الأمريكية على أفغانستان والعراق واحتلالهما وتخلل ذلك الحرب “الإسرائيلية” على لبنان وغزة . وها نحن في حمأة تدخل الناتو في ليبيا . ولم يجد الشعب الفلسطيني الذي يعاني من احتلال أرضه أي حماية أو دعم لأبسط حقوقه الوطنية والانسانية . وبعد ان طور القانون الدولي فكرة “العدالة الدولية” باتفاقية روما (1998) “والتدخل لأسباب انسانية” وجدنا العدالة والتدخل في ما يشبه الوسائل “الشرعية” لتصرف الأقوياء إزاء الشعوب أو الدول الضعيفة أو المرشحة للوصاية أو لشكل من الانتداب غير المعلن . مقابل تلك المبادئ التي عكست نتائج الحرب العالمية الثانية وموجة الحركات الاستقلالية كانت الممارسة الدولية ترجمة لموازين القوى لا للمبادئ ولا للحقوق . ما صار يتردد الآن عن “شرعية دولية” أو عن “شرعية الحكام” وسياسات بعض الدول لم يخضع لتلك المعايير بل لمنطق القوة . لا تتجرأ قيادة الشعب الفلسطيني اليوم أن تطالب بتطبيق قرارات الأمم المتحدة منذ ستة عقود خشية سلطة النقض الأمريكية، ولا تطمح هذه القيادة إلا للتذكير بما صار أشبه بعبارة شائعة عن الحق في اقامة دولة لشعب تحت الاحتلال نتيجة حرب استولت خلالها “إسرائيل” على أراضٍ لدول أخرى يعترف المجتمع الدولي بحدودها وسيادتها . في عرف المجتمع الدولي ليست “إسرائيل” كياناً لاغياً لحقوق الشعب الفلسطيني وحسب بل ولاستقلال وحرية الشعوب والدول المجاورة التي يجب ان تخضع لما يسمى الأمن الاستراتيجي واحتياجاته . لكن الأمن لدى الكيان الصهيوني لا ينفصل عن المصالح القومية الأمريكية ولا الغربية عموماً، لان السيطرة على النفط قيمة عليا واخضاع المنطقة لترتيبات سياسية وأمنية تؤدي إلى هذا الغرض، مسألة أهم وأعلى رتبة من السلم العالمي والعدل والمساواة وحق تقرير المصير وعدم التدخل في شؤون الشعوب والدول .

 

بعد أن شكل الاستعمار القديم منطقتنا على أساس كيانات منسجمة مع مصالحه وفي دول اعطاها شرعيات لم تكن متوافقة مع أماني شعوبها صرنا اليوم في عصر تضع الامبريالية لنا قواعد ومعايير الشرعية للدول وللأنظمة والحكام . هكذا أطل الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش في مطلع الألفية الثالثة بصفته قائداً لمعركة تحرير العالم من مخاطر وضع مواصفاتها لوحده .

 

أخذ العالم إلى صراع الحضارات والثقافات ووضع العرب والمسلمين في قائمته السوداء . أخرج الإسلام والمسلمين من دائرة الثقافة الانسانية وجعل من قوته المادية إدارة لإعادة تكوين وعيهم وخياراتهم . كانت تلك إحدى الخيبات الكبرى لتطور وتقدم البشرية في الألفية الجديدة .

 

خرج جورج دبليو بوش من السلطة ليخلفه الرجل الأسود في البيت الابيض باراك أوباما . هذا الإفريقي المتحدر من أصول اسلامية بادر إلى المصالحة في المفاهيم . بعد سنوات قليلة اكتشف الاسلام السياسي كعنصر ايجابي في منظومة الشرق الاوسط . خاطب المسلمين من مصر وتركيا ودعاهم إلى الحوار . لكن حوار أوباما تعثر على أعتاب القدس المدينة التي ترمز إلى حوار الثقافات والحضارات والاديان . كلما اقترب الرئيس الأمريكي من التعامل مع قضية فلسطين ابتعد عن العرب . انطبعت أمريكا بالسياسة الصهيونية في الشرق الاوسط . يتغيّر الرئيس الأمريكي من ولاية إلى أخرى ولا يتغير إعجاب النخبة الأمريكية بالصهيونية ومشروعها وقيمها واهدافها . قيل الكثير عن الصهيونية غير اليهودية أو الصهيونية المسيحية . لم تكن مجرد سياسات، فقد تجاوزتها إلى ممارسات عنصرية . خرج من بطن هذه الثقافة من يحتقر ثقافة المسلمين ويستهين بمشاعرهم وكتابهم وقيمهم ومقدساتهم . لم يقتصر هذا السلوك على واقعة رمزية كاحراق الكتاب المقدس لعموم المسلمين في العالم الذين يشكلون خمس سكان هذه الارض . خرج عنصري أوروبي في أوسلو عاصمة النرويج وقتل ما يقرب من مئتي “غريب” مسلم أو ماركسي . ربما أضيفت الماركسية إلى هذه المجزرة لتغطية ثقافة عنصرية أشد خطراً من محاكم التفتيش في القرون الوسطى أو حملة المكارثية في ستينات القرن الماضي في أمريكا، أو من الصهيونية ذاتها .

 

لا يدين الغرب هذه الظاهرات بالقدر الذي تستثيره أعمال إرهابية أو عنصرية أخرى . لا يشهد الاسلام حركة تبشير واسعة تهدد أي جماعة ايمانية أخرى . يتجه مسلمون إلى الغرب بحثاً عن فرص العمل أو ظروف اجتماعية أفضل . يحصلون على الكثير من طموحاتهم لكنهم يشعرون بالدونية إزاء ثقافة غربية قلقة على مرتكزاتها .

 

بعض ما هو في دول أوروبا “العلمانية” كان يبحث عن سند إيماني ديني لدستور أوروبا الموحدة . في كل زمان تخلق الازمات ضيقاً في التفكير كما تحاول أن تخلق حلولاً .

 

في هذه اللحظة الدولية التي يهتز فيها الاقتصاد العالمي يظهر تياران كبيران في الغرب . أحدهما يبحث عن التعاون وآخر يبحث عن المواجهة . الغرب المأزوم اقتصادياً يحاور الصين أو يحاور روسيا لكنه يملي على العرب والمسلمين إرادته . هذا هو الوجه الذي يطل من عناوين الشرعية الدولية ومن المجتمع الدولي . لدى العرب ما هو أثمن لهذا الغرب من أي سلع أخرى . هل يفكر العرب بمحاورة الغرب انطلاقاً من وحدانية المعايير والقيم الانسانية أم ما زالوا يفكرون بعقدة ذنب تاريخ من المواجهة؟

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany

 

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا